زياد خازر المجالي يكتب: الأمور لا تتوقف عند بالونات الإختبار

الأردن اليوم – جاء لقاء جلالة الملك أول أمس مع مجموعة من ممثلي الإعلام في خضم حالة من القلق داخل الاْردن، جزء من هذا القلق هو حول الآثار السلبية والتبعات التي تحملها الأردن وتراكمت خلال السنوات السبع الماضيه وصولاً إلى الوضع المعيشي الصعب، والتفاعل المجتمعي وردود الفعل التي صاحبت بحث مشروع قانون معدل لقانون ضريبة الدخل.

والجزء الآخر من القلق في حقيقته نتاج حملة تشكيك داخلية، هي في أغلب الأحيان بريئة لا تعرف حساب نتائج ومضار تشكيكها.

وخارجية متآمرة تستهدف بالتحصيل النهائي النيل من استقرار وثبات الأردن داخل إقليم ملتهب، وإضعاف صموده أمام ضبابية مواقف الأطراف التي يفترض أن تكون راعية لعملية السلام، الهادفة إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفق مرجعية واضحة ومتفق عليها، وعلى أساس حل الدولتين، كما تستهدف النيل من توافق القيادة والشعب في رفض الرضوخ لضغوطات تستهدف النيل من ارادته السياسية.

حالة القلق هذه كان لها ردود فعلٍ سلبية ومظاهر غير معتادة في مجتمعنا الأردني، ومثلت انتهاكاً صريحا للقانون وذكر جلالة الملك خلال حواره مع الإعلاميين بعضاً من هذه الانتهاكات.

اللقاء، ووعد جلالته بتكراره مع الإعلاميين، وبالشفافية الكاملة، ،سيكون سُنّةً حسنة وتشجيعاً للإعلام للقيام بدوره في المساهمة في الدفاع عن الوطن وتحصينه من خلال نقل المعلومة الصحيحة الموثقة.

كلام جلالة الملك كان واضحاً ومباشراً ، لكني تستوقفني عند محاولة التحليل والقراءة ما بين السطور العناصر التالية: ١: التركيز على مبدأ سيادة القانون، بالعناصر الثلاث: الالتزام بالقانون وعدم انتهاك قواعده، قبول ما يمليه القانون من جزاء عند انتهاك قواعده، وأخيراً القانون فوق الجميع، ولا محسوبية في تطبيقه.

وهنا من المهم الإشاره إلى أن مبدأ سيادة القانون يمثل الجزء الأهم والاكبر والأساس لكل المطالبات السياسية والحزبية والفكرية لتحقيق الحرية والديمقراطية والمساواة وتحقيق فكرة ((المواطنية))، والتي هي الحل الأمثل لإنهاء الصراعات الاجتماعية، وقد شهدنا في إقليمنا وأقاليم اخرى في عالمنا الثالث كيف ان التشبث بالطائفية او الإثنية او المناطقية او العشائرية أدى الى صراعات دموية ذات أثمان عالية. والمواطنة او المواطنية كما يصفها سمو الامير الحسن بن طلال ، هي الحل الحضاري والضروري لتحقيق السلم المجتمعي وتحقيق القاعدة الاساسية لنمو المجتمعات.

سيادة القانون التي أشار اليها جلالته تكراراً والتي طالب صراحة بحتمية تنفيذها، هي قيمة حضارية غير قابلة للتجزئة، فهي الوسيلة التي يكافح فيها المجتمع كل الفساد ومظاهره ويرضخ الفاسدين للعقاب ولإعادة الأموال المنهوبة.

وفِي نفس الوقت تمنع اغتيال الشخصية خارج إطار القضاء، وهي الوسيلة التي تمنع المحسوبية وتمنع الاعتداء على املاك الدولة وعلى الجامعات وهي التي تردع التمرد والتنمر على الدولة وعلى الآخرين وتردع المظاهر العدائية في شوارعنا … وهي حتى التي تمنع شخص ما من قيادة سيارته عكس اتجاه السير.

مبدأ سيادة القانون طريقنا نحو الغد الأفضل، والوصول اليه قد يكون شرطاً ضرورياً لتحقيق النهضة والتنمية السياسية التي يأمل جلالة الملك تحقيقها قبيل الانتخابات النيابية القادمة على شاكلة حزبين او ثلاثة أحزاب تمثل الأغلبية النسبية لإرادات أبناء الشعب واتجاهاته . ٢: الموقف السياسي الثابت، والالتزام التاريخي لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق لنيل حقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف، وهنا لا بد ان أشير الى أن توحد الشعب والتفافه حول قيادته ، يمثل التحصين الأمثل ضد اَي ضغوطات أياً كان نوعها او مصدرها، والتي تهدف الى تغيير القرار السياسي الأردني.

إن الظروف الإقليمية والدولية في تقديري تتطلب من شعبنا الأردني وبحسه القومي الموروث أن يكون سنداً لقيادته في قادم الأيام، وفِي تقديري الشخصي إن الأمور لا تتوقف عند بالونات الإختبار بشأن ما يوصف بصفقة القرن (ولا بد لنا هنا من أن نعطي الفضل لصاحب الجلالة الملك في إقناع الإدارة الأمريكية بالعودة إلى فكرة حل الدولتين كمخرج وحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين).

أقول من وجهة نظرٍ شخصية إن الأمور قد تتجه لمحاولة زُجنا في حروبٍ هي ليست حروبنا ، فالأردن تحالف ويتحالف مع الجميع ضد الاٍرهاب الذي وصفه جلالة الملك بحرب عالمية ثالثة من نوعٍ آخر.

ولكن ثقتي ان الاْردن الهاشمي لا يقبل ان يكون في إطار تحالفاتٍ عسكرية استهدافاتها طائفية . ٣: وأخيراً ، إشارة جلالة الملك الى فكرة تساؤل البعض: إلى أين بلدنا ذاهب ؟ وتأكيد جلالته الى اننا وعلى مر السنوات السبع الماضية حافظنا على أمننا ووطننا بوعي شعبنا وجاهزية أجهزتنا الأمنية، فما سبب خوفنا الآن ؟ طبعاً الكثير ممن يخشون على الأردن من أبناءه هم صادقون في مشاعرهم، وقراءتهم لتوجهات بعض الدوائر الخارجية التي تستهدف الأردن وتريد استغلال أوضاعه الإقتصادية لإيجاد شرخ ولمحاولة الصيد في الماء العكر، ومحاولة إحداث انشقاقات داخل وحدتنا الوطنية التي تمثل درعنا الأهم وسند قواتنا المسلحة في الدفاع عن وطننا الأردني.

ويبقى على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية أن نلاحظ الخط الفاصل بين نقد الذات الإيجابي ، وبين جلد الذات السلبي. ويقيني، بناء على خبرتني وطبيعة عملي الدبلوماسي السابق فإن العائلة الهاشمية والشعب الأردني سيلتفون حول القيادة ويكونون عضداً لها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا، من اجل الوصول الى بر الأمان ، ولنحتفل بعد عامين بإذن الله بالذكرى المئوية لنشوء وطننا الأردني الحبيب.

*كتب السفير السابق زياد خازر المجالي