الأردن اليوم – د. نضال القطامين
إن أول ما يلفت القارىء في هذه اليوميات أنها كتبت وقت وقوع الاحداث. يمنحها ذلك صفة هامة تتعلق بنهج كتابة المذكرات المعتمد على التذكّر، مما يُغيّب كثير من التفاصيل.
أحترم بشكل كبير السبب الذي دفع بأبي السعيد لكتابة مذكراته، لكنه سببٌ مشى باتجاه تدوين مراحل سياسية هامة في عمر الدولة الأردنية تناولت قضايا مفصلية في حياة الأمة العربية.
ليس خافيا أن عدنان ابو عودة قد شعر – في منتصف السبعينات – بغربة داخل النظام. واضح أن ثمة إشارات ظاهرة وخفيّة تنازعت هواه الشخصي بين الاستقالة وبين المضي في العمل العام لأسباب غير خافية.
لقد طلب وقتذاك أن يذكر اسمه عند الحديث عن منصب في مجلس الأعيان أو سفيرا في الخارجية. كان هذا عام 1974، لكن وصفه المؤثر عند خروجه من الحكومة في تشرين 2 1974 ينبي عن شعور حقيقي بالخذلان.
لقد فكّر يوما أنه إذا ما شعر أنه قادرٌ على إعالة أسرته، فسيخرج من الحكومة. كان منصب رئيس تحرير الجوردن تايمز في انتظاره. كان هذا وعد جمعة حمّاد له.
بعد قرارات قمة الرباط، كان يفكّر بأن تُبنى الدولة الأردنية برؤية جديدة تتميز بما تفتقده الدول العربية، وذلك بالسماح للعمل الحزبي في إطار الميثاق الوطني على أن يؤلف حزبان أحدهما يحكم والآخر معارض !
بلا أدنى شك، كان ابو السعيد رجل دولة استثنائي. كان عضوا هاما في فريق العمل الذي لا يفارق الملك الراحل الحسين. وعلاوة على لغته الإنجليزية المتقنة، كان ضمن قلّة قليلة يحيطون علما بأدق التفاصيل السياسية ذلك الوقت.
تسجّل هذه اليوميات أن أبا السعيد يستمر في مرحلة التقاعد السياسي بذات النهج الذي بدأ فيه حياته: الصراحة والجرأة في القول وإبداء الرأي، وإن كان كل الساسة الذين عاصرهم قد أحجموا عن كتابة مذكرات مثل هذه أو كتبوا دون تفصيل وبوضعية منتصف العصا، فإن أبي السعيد قد اقتحم هذا الميدان، بجرأة وتفاصيل دقيقة، متعباً من جاء بعده!
ثمة ماهو مختلفٌ في هذه اليوميات. إنها تنبي عن حجم أولئك الساسة الأردنيين الذين حملوا عبء النهضة بالدولة، وعبء النهضة بأدوار الأردن القومية والعربية والإنسانية، وسط ضجيج مربك من الأشقاء، ووسط محاولات تهميش واضحة منهم، لدور الوطن وقيادته ورجاله.
برز أبو السعيد كرجل دولة يحمل فكرا عروبيا خالٍ من الإقليمية، وقد أوردت اليوميات أمثلة صاخبة على مداخلاته التي اتسمت بالحدّة أحيانا وبالكلام القاسي أحيانا أخرى، في مجلس الوزراء وفي جلسات الفريق المحيط بالملك وفي غيرها.
أرّخ أبو السعيد في يومياته التي جاءت في ستة عشر فصلا لكل التفصيلات المتعلقة بحرب ال73، وللظروف التي سبقت الحرب والتي تلتها، كما فصّل مبررات قرار فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية وارهاصات هذا القرار التي بدأت في مؤتمر الرباط 1974، وتناولت اليوميات في كثير من التفاصيل المشهد قبيل الحرب العراقية الإيرانية والتحضيرات والتفصيلات لمفاوضات السلام بين العرب واسرائيل وجولات وزير الخارجية السوري والمحادثات التي أجراها مع الاردن حيال هذا الموضوع، فضلا عن أحداث أردنية وعربية ودولية تناولتها اليوميات بشيء من التفصيل الدقيق.
لقد جاءت هذه اليوميات مكمّلة لصورة المشهد السياسي الأردني خلال عقدين من الزمن، وبعيدا عن كل الأسباب التي دفعت سياسي يقظ ومنتبه لأدق التفاصيل لكتابتها وتدوينها، فإن هذا اليوميات هي بمرتبة الوثائق التاريخية المهمة، التي تفصح اللثام عن كثير من القضايا الإشكالية وتعيد تشكيل رؤيتها من زاوية وطنية وعروبية مختلف، فضلا عن متعة القارىء في متابعة التسلسل المشوّق للاحداث، وبالطبع، الصراحة والدقة المتناهية في السرد.