أحمد عبد الباسط الرجوب
العدالة الاجتماعية مبدأ اساسي من مبادئ التعايش السلمي داخل الامم وفيما بينها الذي يتحقق في ظلة الازدهار ، والهدف من العدالة الاجتماعية هو توفير الحياة الكريمة لكافة المواطنين في ظل دولة تحترم الدستور والقانون … إن أكثر ما يفتقده الاردنيون هو معني العدالة، وأكثر ما يكرهونه هو استبداد وتوحش الظلم الاجتماعي بالذات، فالغالبية الساحقة من الاردنيين اصبحت تحت خط الفقر المدقع والنسبي، والطبقات الوسطي تنزلق بسرعة مجنونة إلي حافة هاوية البؤس، وتكاد لا تسلم سوي (مجموعة ناجية) طافية، لا تمثل سوي عشرة بالمئة من الشعب الاردني، أعلاها طبقة المتنفذين من علية القوم والبزنس والذين تشكل نسبتهم الواحد بالمئة والتي تسيطر على مفاصل التجارة والاعمال وتحتكر نصف إجمالي الثروة العامة بالتمام والكمال وهم المحظوظون الذين توارثوا كابر عن كابر موروث الجاه وتوارثوا المناصب حتى الجد الرابع ، فهم لا يريدون سوي التجبر علي الفقراء والطبقات الوسطي، ثم لا يهمهم بعدها أن يحترق البلد، فهم يهربون ما اكتنزوه من أموال إلي بنوك الخارج بانتظام، ويستعدون للهرب وقت الخطر علي أول طائرة خاصة…
وقد يقول عرابوا التنظير من المطبلين والمزمرين من المنتفعين إن المحنة تنفرج، وأن أحوال الاقتصاد المأزوم سائرة إلي تحسن، وأن قوة الدينار لا زالت كما هى صلبة في مقاومة الهبوط في ظل الركود الاقتصادي وقلة ايرادات المعونات الخارجية سواء العربية او الدولية، وأن البنوك تجتذب مليارات الدولارات، وأن احتياطي النقد الأجنبي يزيد لدي البنك المركزي، وأن البلد لايزال قادرا علي سداد أقساط وفوائد الديون الخارجية المتزايدة بصورة فلكية، وأن اقتصاد الحكومة يبتعد عن شفا الإفلاس، وقد يكون بعض ذلك صحيحا، وإن كان عجز الموازنة يتفاقم ويتضاعف باطراد، برغم إجراءات خفض الدعم التي ألهبت حياة الفقراء والطبقات الوسطي، وجعلت بطولة البقاء علي قيد الحياة مستحيلة أكثر فأكثر، وأحرقت غالبية الناس في مراجل أفران الغلاء، فأسعار السلع الأساسية تزيد كل يوم، وربما كل ساعة، والذين يعملون تجمدت أجورهم، ونزلت قيمتها السوقية إلي النصف، فما بالك بالذين لا يجدون فرص عمل ، وتطحنهم مآسي الفقر والبطالة والمرض، وكل هؤلاء لا يجدون عزاء في التحسن المزعوم لأرقام اقتصاد الحكومة، ولا تلوح لهم انفراجة تعنيهم في الأفق المرئي، حتى مع بارقة امل تدشين معبر ناصيب الحدودي مع سوريا الشقيقة وانتظار فتح ابواب معبر الكرامة (طريبيل) مع العراق الشقق…
وفي رأينا يا ” صاحب الحكومة ” بأن كل ما ينتظره المواطنون الاردنيون ويتخوفون منه هو زيادة الأعباء عليهم، وإثقال حياتهم المنكوبة بمزيد من ارتفاع أسعار وفواتير الدواء والمياه والكهرباء والنقل العام، والجولات المتكررة والمقررة كل شهر لرفع أسعار المحروقات ، وهو ما يؤدي إلي احتقان اجتماعي متصاعد، تفيض به خزانات الغضب في نفوس الناس، وتنكمش معه فائضهم على تحمل الصبر، والذي تحسبه الحكومة صمت الرضا بأقدار التعاسة… لقد تفشت البطالة الى حدود اصبحت مقلقة اذ لامست نسبة 18% والتي من اهم اسباب معدلات ارتفاعها ” أي البطالة ” هو انتشار الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها حيث لا ينحصر تأثيره في نهب أموال الدولة ومواردها وعدم التوزيع العادل للثروة ، بل إن الأخطر من ذلك هو فساد أصحاب القرارات وواضعي السياسات ، وتحولهم إلى شريحة بيروقراطية لها مصالحها المشتركة التي غالباً ما تتناقض مع مصالح غالبية الشعب ، وتتجلى الانعكاسات الخطيرة لذلك في العديد من القضايا الجوهرية والمصيرية ومنها:
أ. عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، واستبعاد العناصر النزيهة ذات الكفاءة ، مما أدى إلى خسارة العديد من المؤسسات المنتجة وإفشالها.
ب. سوء توزيع العاملين على قطاعات الدولة وأجهزتهاومؤسساتها، إذ نلاحظ تضخم أعدادهم في بعضها دون الحاجة إلى ذلك ، وقلتهم في بعضهاالآخر بالرغم من الحاجة إلى أعداد أكبر.
ت. السياسات الاقتصادية المتمثلة في تخلي الدولة على نحو أو آخر عن دورها الاقتصادي والاجتماعي: ومن الأمثلة على ذلك فك الدولة التزامها بتعيين خريجي الجامعات، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد العاطلينعن العمل من هذه الشريحة
نتمنى يا ” صاحب الحكومة ” ان نرى مشاريعا استثمارية تخلق الاف فرص العمل لابنائنا وبناتنا وما في ذلك من رفد للاقتصاد الوطني وراحة لاسرنا الاردنية التي تنتظر بفارغ الصبر ايجاد فرص العمل لابنائهم من خريجي الجامعات والمعاهد المتكديسين في البيوت وبما يخفف من الاحتقان الاسري وتحقيق العدالة الاجتماعية لاهلنا في الوطن الاغلى … نريد بناء اقتصاد جديد ذي طابع إنتاجي في الأساس، يعيد تصنيع البلد، ويوفر فرص عمل دائمة منتجة لمئات الالوف من العاطلين الحاليين والمحتملين، ويوفر سلعا مصنعة تحل محل الواردات، وتضاعف طاقة التصدير مرات، فلا حل لأزمة الاقتصاد بغير التصنيع الشامل، وبغير الزراعة الحديثة التي تحولت بدورها إلي صناعة، وتلك مهمة لن ينهض بها هوامير «القطاع الماص» الذي نسميه خطأ بالقطاع الخاص، ولا هم لهم سوي طلب الإعفاءات والمزايا والتهرب الضريبي وقصة هوليود الدخان ليست عنا ببعيدة، والضغط الداهس علي صناع القرار، وإجبارهم علي إلغاء أي اتجاه لفرض العدالة المجتمعية سواء بالتعينات او فرض ضريبة عادلة تحقق الرخاء الاجتماعي للمواطنين على اختلاف تصنيفاتهم واماكن سكناهم…
ولما تقدم يا ” صاحب الحكومة ” دعني اهمس بأذنك وان اسهل عليك الامر بأن نحدد معا أبرز المؤشرات المقلقة في بلادنا، التي يمكن أننعتبرها إشارات خطيرة، فإنه يمكن التوقف سريعا عند ثلاث منها ويجب الانتباه اليها وهى:
1. حديث الشارع الاردني المستمر وبصوت مرتفع عن حالات فساد في دوائر الدولة (هذه الصورة حين توجد)، بغض النظر عن مدى صحة أو دقة الشبهات المثارة في هذا المجال، تعتبر مـُدمّـرة لأي جهد سياسي يقوم به الطرف المسؤول أو ذاك بغرض إرساء جسور من الحوار مع الأطراف الغاضبة أو المتململة.
2. انسداد أو تعثر الأفق السياسي، ذلك حين تجد النخب السياسية والاجتماعية نفسها مضطرة بعد طول صبر ومعاناة إلى الاستنتاج بأن السلطة لا تـَصلح ولا تـُصلح …أكثر من ذلك، حتى حين تقدم السلطة على إصلاحات معينة بعد طول انتظار وتسويف فإنه لا ينظر إليها عموما إلا على أنها غير كافية…
3. اشتداد الضائقة الاقتصاديةوارتفاع سقف المديونية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة (كما اسلفنا)، فهذا التذمر المعيشي عندما يقترن بالتذمر السياسيوانسداد آفاق التحول السلمي يشعل شرارة انفجارات تبدأ ولا تنتهي (وهذا الذي حصل احتجاجا على قانون الضريبة واطاح بحكومة الملقي).
يا ” صاحب الحكومة ” … هذه الاشارات إذا ما أصبحت داكنة أكثر فإن الأمر قد يخرج عن سيطرة الجميع ،عندها لن تجدي تدخلات الحكومة في حينها في امتصاص غضب الناس بدون دفع الثمن المستحق… لا اكتفاءالمعارضة بتعداد أخطاء الحكومة وعثراتها بدون أن تقدم للناس سبلا واضحة للتجاوز والتغيير السلمي … المفروض والمؤمل أن يكون هذا وذاك أكثر حكمة لأنه إذا تحرك الشارع مع ما يصحب ذلك من خسائر ومضاعفات فقد يتم تجاوز الاثنين معا…
وختاما هذا اليوم هو نداء موجه إلى ” ساكن السرايا على الدوار الرابع ” … ننتظر من حكومتكم ان تحرص على الاستثمار في الإنسان الاردني مثل سائر الدول ، ورعايته والارتقاء به من خلال السياسات الاجتماعية المختلفة، والتي يجب ان تعتمد نهجاً متكاملاً يهدف لتمكين الإنسان، وبإدماج الفئات الضعيفة وتلبية احتياجاتها، وبناء قدراتها وتنمية إمكاناتها، بما يحقق العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية، لذا فإن اقتصادنا الوطني يجب ان يكون أساسه العدالة الاجتماعية، وهدفة تحقيق التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة واتخاذ إجراءات ملموسة، تجسد القيم العالمية الكامنة في تحقيق الكرامة البشرية، وبذل جهود وطنية ملموسة للقضاء على الفقر، وتوفير العمل اللائق وتحقيق الرفاه الاجتماعي والتنمية المستدامة، وإعادة النظر في استراتيجياتها الإنمائية والممارسات التجارية من أجل مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً…. ان غدا لناظره لقريب!
حمى الله بلادنا من كل مكروه وجنبها شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن…
السلام عليكم ،،،
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com