انشغل المراقبون في إسرائيل بتفسير تلميحات رئيس حكومتها حول الحرب القادمة، وهل ستجري على الجبهة الجنوبية مع المقاومة الفلسطينية أم على الجبهة الشمالية مع حزب الله.
وكان نتنياهو قد تحدث بلغة درامية ومصطلحات “يوم الدين والآخرة” قال خلال مؤتمر صحافي ليلة الأحد، إنه يسند لنفسه حقيبة الأمن بعد استقالة أفيغدور ليبرمان، موحيا بأن إسرائيل الموجودة في “فترة أمنية بالغة التعقيد” مقبلة على فترة حاسمة وقاسية.
وتابع: “نحن في طريقنا للحرب. وهذا سيكون قريباً ومنوطا بالتضحيّة وسننتصر على أعدائنا لكن دون التقليل من التحدي الماثل أمامنا. لن أقول مساء اليوم متى سنتحرك أو كيف، لكن لدينا خطة واضحة، أنا أعرف ماذا أفعل ومتى أفعل ذلك، وسنفعل ذلك”.
المعلقة في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، سيما كدمون، اعتبرت أن ما “تم إبلاغنا عنه في الفترة الأخيرة تلميحا قاله نتنياهو بشكل لا يقبل التأويل بأن إسرائيل تتجه للحرب”. كادمون التي لم تحدد أي حرب هذه وفي أي جبهة، قالت إن عبارة نتنياهو الأخيرة قد عززت الانطباع حول وجهة إسرائيل.
وأخذ المحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان أقوال نتنياهو هذه على محمل الجد مؤكدا أنها “ليست مجرّد زوبعة” لافتا إلى أنه يتحدث بالفعل عن نتائج العملية العسكرية الغامضة الآتية قريبا، التي ستشهد تضحيات وسيسقط فيها قتلى إسرائيليّون، بتعبير نتنياهو، تاركا انطباعا أننا عشيّة “اجتياح الجيوش العربيّة لدولة إسرائيل بعيد قيامها”.
أمّا عن إمكانية خوض نتنياهو حربا من أجل ترميم صورته التي تضررت خلال الأسبوع الأخير بفعل الأوضاع في غزّة، قال فيشمان: “هذا هو نتنياهو، وهذا هو الخوف التي يتركه عند الإسرائيليّين من أجل النجاة بولاية أخرى وكلّما نجح نتنياهو في تأجيل الانتخابات أكثر، كلّما زاد احتمال الذهاب إلى حرب. الإسرائيليّون سيكونون أسرى الخطر الوجودي في ظل التهديد المتنامي، ولا حلّ لذلك إلا ضربة عسكريّة استثنائيّة”.
تلميحات نتنياهو حول الحرب القادمة من أجل ترميم صورته التي تضررت خلال الأسبوع الأخير بفعل الأوضاع في غزّة
مفاعل سوري
وعن مكان العملية العسكرية التي أشار إليها نتنياهو، كتب فيشمان: “في الحقيقة، منذ ترك وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان، منصبه، الأسبوع الماضي، لم يُكشف عن مفاعل نووي في سورية يتطلّب حكومة طوارئ وعملية عسكريّة إسرائيليّة دراماتيكيّة، الأمر الدراماتيكي الوحيد هو الشرخ الآخذ بالاتّساع بين إسرائيل وروسيا مع إعلان الرئيس الروسي رسمياً أنه غير مستعد للقاء نتنياهو”.
وأضاف أن للموقف الروسي تأثير فوري على حرية عمل سلاح الجو الإسرائيليّ في سوريا، لذلك فإنّ “كل عمل إسرائيلي في سوريا، وبالتأكيد عمل لا يمكن إنكاره (كالذي يهدد به نتنياهو) سيعتبره الروس عملا معاديا. وحول احتمال أن تكون العملية العسكرية التي يلمح لها نتنياهو في غزة، قال فيشمان إنها منطقة سهلة أكثر للتحرك عسكريا، وتتطابق مع التعريف الذي أطلقه نتنياهو في خطابه لـ”عملية عسكرية مستمرّة” لاسيما أنه استخدم جملة “لا نستبدل حكومات أثناء عملية عسكريّة مستمرة”.
لا للعب ولا للهرب
منوها أن نتنياهو وفقط بعدما أنهى التهديد بالتحرك عسكريًا، تطرّق إلى الأوضاع السياسيّة منتقدًا شركاءه السياسيين ليبرمان، ووزير التعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، ووزير المالية، موشيه كحلون بقوله “من تجربتي، أقول لكم إننا في إحدى أكثر المراحل الأمنية تعقيدًا، وفي فترة كهذه لا نُسقِط حكومة، وأثناء عملية عسكرية لا نهرب ولا نلعب بالسّياسية” في إشارة إلى استقالة ليبرمان ومطالبة بينيت بوزارة الأمن.
من جهته لم يستبعد المحلل العسكري البارز في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن تكون تلميحات نتنياهو مرتبطة بإمكانية اندلاع مواجهة خطيرة مع حزب الله في سوريا ولبنان. معتبرا أن هذا خيار واقعي نظرا لمحاولات حزب الله وإيران استغلال الموقف الروسي الرافض لتحليق الطيران الحربي الإسرائيلي في سماء سوريا علانية من أجل بناء مصانع صواريخ وأسلحة حساسة في لبنان مما يشكّل خطرا استراتيجيا على إسرائيل ويضطرها لخوض حرب جديدة وربما تجد نفسها فيه تحارب على جبهتين بنفس الوقت.
حرب سرية
بحسب العقيد في الاحتياط والباحث في العلاقات بين الجيش المجتمع، رونين إيتسيك، فإن نتنياهو كان يشير بأقواله إلى أمور أوسع بكثير من قطاع غزة “هامة للغاية لأمن الدولة”. وأضاف أن “قرار نتنياهو بعدم الدخول في هذه المرحلة في حرب ضد حماس ليست نابعة من تقاعس، وإنما من اعتبارات إستراتيجية وغالبيتها لا تتعلق بما يحدث في غزة”.
وتابع إيتسيك أنه “في السنوات العشر الأخيرة تدور حرب دراماتيكية، بغالبيتها سرية ضد التهديدات المتشكلة عند حدودنا، مع التشديد على الحدود الشمالية”. وأضاف: “لقد نُشر كثيرا عن عمليات ضد تموضع مليشيات شيعية عند الحدود السورية، وحول الحاجة إلى منع تعاظم قوة حزب الله بسلاح كاسر للتوازن”.
وبرأيه هذه هي الحرب الأهم والجارية اليوم في سياقات أمنية، معتبرا أن قدرات حماس في الجنوب مقلقة، لكنها صغيرة قياسا باحتمال اشتعال الوضع في الشمال. وأضاف إيتسيك أن “نتنياهو يدرك جيدا توازن القوى والمخاطر في الشمال، ولذلك فإن جلّ الجهود الاستراتيجية موجهة إلى معالجة هذه التهديدات، التي محركها الأساسي هي إيران”.
وأشار إلى أن “إيران تواجه أزمة شديدة بسبب العقوبات الأمريكية ويصعب توقع كيف سيعمل نظام آيات الله الذي وضع عند الحدود الشمالية قدرة تتمثل بمئات آلاف الصواريخ”.
فزاعة انتخابية
واعتبر إيتسيك أن قول نتنياهو إنه “سنعمل بقوة هائلة عندما نقرر” يعني أن “إسرائيل لن تنتظر وإنما ستبادر… وفي المرة المقبلة التي ستفتح فيها النيران ستكون هذه على ما يبدو نيران إسرائيلية”.
وبخلاف من يشكك بنوايا نتنياهو ويتهمه بخلط الأمن والسياسة وحساباتها أضاف أن هذا الخطاب لنتنياهو “لم يكن لاحتياجات داخلية فقط، وإنما هو موجه بالأساس لجميع أولئك الذين يفركون أيديهم فرحا من حولنا. ورسالة نتنياهو توضح للمحيط من حولنا أن إسرائيل تجهّز نفسها لعملية عسكرية شديدة، وأن أي وضع سياسي لن يمنع صناع القرار من العمل بكل القوة”.
بالمقابل اعتبر مراقبون آخرون أن نتنياهو يلوح بفزاعة الأمن والحرب مستخدما خطاب الترهيب من أجل حصد مكاسب انتخابية وتسجيل نقاط لصالحه ولصالح حزبه لاسيما أن أقواله خلال المؤتمر الصحفي شملت مضامين دعائية وعلاقات عامة.
واعتبر المراسل السياسي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، إيتمار آيخنر، تصريحات نتنياهو انتخابيّةً وتوجها نحو جمهور ناخبيه من اليمين، خصوصاً تصريحاته “تحدثت إلى كلّ رؤساء أحزاب الائتلاف، وقلت لهم: هذا وقت إبداء المسؤولية، لا تسقطوا الحكومة، خصوصاً في فترة أمنية حساسة كهذه “.
وبرأيه لم تقتصر محاولات نتنياهو لترهيب الإسرائيليين على العملية المستقبليّة المفترضة، إذ ذكّرهم، في معرض حديثه إلى رؤساء أحزاب ائتلاف الحكوميّ، بإسقاط حكومته عام 1999، الذي أدّى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية متسببةً بأكثر من ألف قتيل.
تشبيه بتشرتشل
وشبهت صحيفتا “هآرتس” و”معاريف” خطاب نتنياهو بخطاب رئيس حكومة بريطانيا الراحل، بخطاب وينستون تشرتشل، “الدم والتعب والدموع والعرق”، الذي ألقاه عند توليه منصب رئاسة الحكومة البريطانيّة بعد اندلاع الحرب العالميّة الثانية. ويبدي المحلل السياسي لصحيفة “معاريف”، بن كسبيت قناعته بأنه لا حرب ولا يحزنون، وبأن نتنياهو غرر بالصحافة وبالإسرائيليين بحديث كله انتخابي.
وتابع بن كسبيت ساخرا: “حتى الآن، من غير الواضح إن كانت إسرائيل ستنتصر على التهديد الذي ألمح إليه نتنياهو. بيد أن الأكيد بنظره أن نتنياهو احتلّ، في عمليته التحايليّة الكاملة، فترة الذروة التلفزيونيّة، فقنوات التلفزيون التي تهافتت على خطاب نتنياهو كالذباب، لم تفهم أنه خطاب انتخابي إلا بعد فوات الأوان”.
وأوضح أن نتنياهو الذي حذّر من ممارسة السياسيّة في الأمن قد فعلها وقام بما نهى عنه، مضيفاً أن هنالك هدفاً واحدا ووحيدا لخطاب الأمس هو “تخويف نفتالي بينيت واييلت شاكيد”. القدس العربي