الأردن اليوم – وراء أول من تعلّم ونقل الأرقام العربية، في أوروبا، وعلّمها لمن معه ومن بعده، قصة إنسانية نادرة، نقلته من رضيع متروكٍ على باب أحد الأديرة، إلى شغوف بالعلم والمعرفة تلقّف الأرقام العربية، وكان أول من تعلّمها في أوروبا، ثم تعرّض لاتهامات شتى بممارسة السحر ومصادقة الشياطين، ثم وصوله إلى الكرسي البابوي في إيطاليا.
إنه الطفل مجهول الهوية الذي عثر عليه متروكاً على باب أحد الأديرة، في فرنسا، عام 945 للميلاد، ولم يعرف شيء عن أبويه والسبب الذي حدا بهما، أو بواحد منهما، لتركه قرب أحد الأديرة، فالتقطه الرهبان فور عثورهم عليه، وبادروا إلى تسميته بـ”جربرت”. لقد كان هذا الجربرت، أول من تعلّم الأرقام العربية في أوروبا، وإليه يعزى الفضل بنشرها في تلك القارة التي كانت تستعد، بشغف، لاقتباس علوم العرب التي كانت تشرق على الحضارة.
تعلّق بالعرب لأنهم مُولعون بالعِلم أكثر من الحروب!
عاش الطفل جربرت في دير (أورلياك) في فرنسا، أكثر من عشرين عاماً، وكان ذكاؤه يلفت أنظار من حوله. وكانت الفرصة لصناعة تاريخ علمي بانتظاره، عندما زار الكونت بوريل، وهو إسباني ذاق طعم الهزيمة على يد العرب في الأندلس، وسعى مرارا إلى الصلح مع أمراء قرطبة، فأعجب بذكاء جربرت، واستأذن الرهبان باصطحابه معه إلى إسبانيا، فكان معلّم جربرت، هو مندوب الكونت بوريل، إلى أمراء عرب في قرطبة، فقاموا باستقباله خير استقبال، وتقول المستشرقة الألمانية الشهيرة زيغريد هونكه في كتابها ذائع الصيت (شمس العرب تسطع على الغرب) إن معلّم جربرت سُحِر بجمال قصور العرب في قرطبة وازداد إعجابه بالعرب أنفسهم، فأخذ يستجيب لإلحاح جربرت، بأن يحدثه عن الأمراء المسلمين وشغفهم وولعهم بالعلم “أكثر من ولعهم بالحروب!”.
وتشير جميع المصادر التي تناولت حياة جربرت، إلى أنه “سُحِر” بقصص وأخبار فحول العلماء في قصور الحكم العربي في إسبانيا. وتقول هانكه إن هذه القصص هي بداية تعلق جربرت بالعرب ثم تعلمه الرياضيات والفلك، وأن من أهم ما تعلمه عن العرب، هو نظام الأرقام والأعداد العربية.
تلقّف جربرت العلوم العربية التي كان أشهرها الرياضيات وعلم الفلك، وبرع في علم الحساب والأرقام التسعة التي “تعلمها عن العرب” إلى الدرجة التي تصفه بها هانكه بأنه “أول رجل في الغرب تعلّم تلك الأرقام واستخدمها”.