كيف نقرأ الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا؟

الأردن اليوم – د. عمر الرداد

جذبت العملية التي نفّذها إرهابي ضد مصلين آمنين في مسجدين بنيوزيلندا صباح أمس الجمعة، وذهب ضحيّة الهجوم المسلّح حوالي “49” مصلياً، وإصابة 42، على الأقل، اهتمام الرأي العام العالمي والعربي، والإسلامي على وجه الخصوص، ارتباطاً بوحشيتة العملية، والمنطقة التي نُفّذت فيها (نيوزلندا)، التي تعتبر منطقة آمنة بالنسبة لمواطنيها والمقيمين فيها من أتباع الديانات المعروفة في هذا البلد؛ المسيحية والبوذية والإسلام.

وتثير العملية، التي وصفتها رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرن، بأنّه “هجوم مخطط له جيداً”، معتبرة هذا اليوم بـ”أحد أحلك الأيام في بلادنا”، جملة من التساؤلات التي يمكن أن تجيب عنها المحاور التالية:

أولاً: رغم أنّ منفّذ الهجوم الإرهابي أسترالي لأبوين بريطانيين، إلا أنّه نفّذ عمليته في نيوزلندا القريبة من أستراليا وليس في أستراليا، رغم وجود جاليات مسلمة أكثر عدداً في المدن الأسترالية، وهو ما يطرح أحد أساسيات الفكر المتطرف الذي ينظر لأتباع الديانات المستهدفة بصرف النظر عن أية اعتبارات لمكان إقامتهم أو لونهم أو لغتهم أو أصولهم، ويبدو أنّ اختيار نيوزلندا لتنفيذ العملية مرتبط بسهولة التخطيط والإعداد والدعم اللوجستي، وهي المراحل التي تسبق تنفيذ أية عملية، وللدلالة على أنّ هناك بيئة مواتية لتنفيذ العملية قيام المنفّذ بالتصوير المباشر لمدة تزيد على “15” دقيقة وبشكل متواصل، علماً بأنّ عملية التصوير، إضافة لارتباطها بعوامل ذاتية بالنسبة للمنفذ، إلا أنّ لها ارتباطات أخرى، كون المنفذ عضواً في جماعة يمينية متطرفة، مؤكد أنّ عناصرها أو بعضاً منهم كان يتابع مباشرة تنفيذ العملية “على الهواء”!

أثبتت مدونات الإرهابي عبر مواقع التواصل انتماءه لفكر متطرف وأنّ عمليته انتقامية ضد المسلمين والمهاجرين

ثانياً: تشكّل العملية ترجمةً لخطابات التطرف والكراهية الآخذة بالانتشار في الغرب، هذا الخطاب القائم على رفض الآخر، من خلال اتخاذ موقف من اللاجئين، على ضوء العمليات التي نفذها متطرفون متشددون باسم تنظيم “داعش” في العواصم الأوروبية في: باريس وبروكسل ولندن، وقد أثبتت مدونات الإرهابي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتماءه لفكر متطرف، وأنّ عمليته انتقامية ضد المسلمين وضد المهاجرين، وأنّه مع مجتمع أبيض نقيّ في أوروبا ونيوزلندا وأستراليا، وذهب أكثر من ذلك لاستحضار تاريخ الدولة العثمانية وحروبها في أوروبا في القرن السابع عشر، وكان لافتاً للنظر إشادته بسياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد المهاجرين، وأنّ قدوته منفّذ العملية الإرهابية التي وقعت في النرويج عام 2011، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام حقيقة نموّ التيارات الشعبوية في الغرب، وتحوّلها إلى ظاهرة سياسية حملت عدداً من اليمينيين المتطرفين إلى سدة الحكم، فيما كادت أن تطيح بقيادات أحزاب معتدلة على ذات الخلفية؛ حيث كادت أنجيلا ميركل لمواقفها المعتدلة تجاه المهاجرين أن تفشل في الانتخابات الألمانية.

ثالثاً: من الملفت للنظر توقيت العملية وسياقاتها؛ إذ جاءت بالتزامن مع قرب انتهاء تنظيم داعش في سوريا، ويفترض منطقياً أنّ عملية من هذا النوع كان يمكن أن تكون من قبل تنظيم داعش “خلايا نائمة أو ذئاب منفردة” في مناطق مختلفة من العالم، كأوروبا وليس شرق آسيا، وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تهيئة ساحة جنوب شرق آسيا لتكون ميداناً لعمليات إرهابية متبادلة، بين متطرفين ينتمون لديانات مختلفة.

أشاد منفذ الهجوم بسياسات الرئيس الأمريكي ترامب ضد المهاجرين وأنّ قدوته منفّذ العملية التي وقعت في النرويج عام 2011

رابعاً: من المرجّح أن تقوم خلايا “داعشية” أو أفراد وجهات غاضبة تتبنّى الفكر الإسلامي، بتنفيذ عمليات مشابهة للعملية الإرهابية التي تمت في نيوزلندا، وباختيار أهداف مشابهة ربما تشمل أماكن العبادة المسيحية، وليس بالضرورة أن يكون الرد في جنوب شرق آسيا، ولا يستبعد أن يكون في إحدى الدول الأوروبية، خاصة بوجود جاليات إسلامية واختراقات لتنظيم داعش، تمكن خلالها من تنفيذ العديد من العمليات النوعية في لندن وباريس وبروكسل. كما لا يستعبد أن يتضمن الإعلان عن تلك العمليات بأنّها انتقام لمقتل المصلين المسلمين في نيوزلندا، باستثمار حالة الاحتقان والغضب الشعبي في العالمين؛ العربي والاسلامي، على خلفية هذه العملية.

خامساً: تعيد العملية طرح إشكاليات كيفية مواجهة التطرف وخطاب الكراهية، لدى أتباع الأديان السماوية الثلاث؛ المسيحية واليهودية والإسلام، وفق العديد من المحطات التي ينبغي إعادة النظر فيها ودراستها وهي؛ أولاً: رغم الحوارات ومواثيق التسامح ونبذ خطاب التطرف والكراهية، بين المراجع الدينية والمسيحية والإسلامية، وآخرها الميثاق الذي تم توقيعه خلال زيارة البابا إلى الإمارات العربية المتحدة مؤخراً، إلا أنّ هناك خطاباً موازياً، يجد مساحات واسعة ترفض هذا التعاون والتفاهم بين الأديان والثقافات المختلفة.

ثانياً: فعلى أهمية الحلول الأمنية في مواجهة خطاب التطرف، وهناك فرق بين التطرف والإرهاب، فإنّ هذه الحلول وحدها غير كافية لمواجهة الظاهرة؛ إذ لا بد من إشراك قوى وجهات حكومية وأهلية تعمل معاً لمواجهة التطرف. خاصة وأنّ مسؤوليات المستوى الأمني تتركز بالعادة في إحباط العمليات الإرهابية في مراحل التخطيط والتنفيذ.

ثالثاً: إنّ من الأهمية بمكان إدراك أنّ المتطرفين يتطلعون لجرّ أتباع الديانات لخطاب الكراهية، لما يوفره من بيئات حاضنة لتنفيذ عملياتهم ومخططاتهم، لذا فإنّ أخطر ما يمكن أن يترتب على مثل هذه العمليات تلك الخطابات والمواقف العمومية والشمولية تجاه الآخر.

رئيسيعاجل