الأردن اليوم – د. عمر الرداد
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنّ وكالة الاستخبارات التركية “تتحرّى” فيما إذا كانت دوافع منفّذ الهجوم، الذي وقع أول من أمس في مدينة بريخت الهولندية وصدر عن مهاجر تركي، جرى لأسباب عائلية، أم هناك دوافع أخرى تقف وراءه ربما لها علاقة بالهجوم، الذي نفّذه يوم الجمعة الماضي، يميني أسترالي متطرف ضد مصلّين في نيوزلندا؟
ورغم هذه التحرّيات، إلا أنّ وكالة “الأناضول” التركية؛ أكدت أنّ عملية إطلاق النار في بريخت الهولندية نفّذها مهاجر تركي لخلافات عائلية؛ حيث كان القاتل يستهدف أحد أقاربه.
أبدت نيوزلندا احتجاجاً على توظيف أردوغان لشريط فيديو بثّه القاتل بهجوم نيوزلندا بالدعاية لانتخابات محلية تركية يجري التحضير لها
ولم تصدر رواية أمنية هولندية حول العملية التي تمت في بريخت، كما لم تصدر نتائج التحقيق النهائي مع الإرهابي المسؤول عن هجوم نيوزيلندا، لكنّ قاسماً مشتركاً بين العمليتين يلفت النظر؛ فالمجرم الأسترالي كان قد قام بزيارتين إلى تركيا خلال العام الماضي، وفق رواية تركية رسمية، وغالبية ما دوّنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مرتبط بتركيا الجديدة، والإرث العثماني في أوروبا، وأعلن استهدافه شخص الرئيس أردوغان، ومن غير المعروف لماذا قام بزيارتين إلى تركيا؟ ومع من التقى هناك؟ وماذا كان يفعل في تركيا؟
أما منفّذ عملية هولندا؛ فهناك إصرار تركي على أنّه من مواليد تركيا، وأنّ الأسباب، وفق وكالة “الأناضول” التركية، مرتبطة بخلافات عائلية، فيما أكّد أردوغان أنّ الاستخبارات التركية تقوم بعمليات تحرٍّ، فيما إذا كان حادث بريخت مرتبط بهجوم نيوزلندا، وبالتزامن أبدت نيوزلندا لاحقاً احتجاجاً على توظيف أردوغان لشريط فيديو بثّه القاتل في هجوم نيوزلندا في الدعاية لانتخابات محلية تركية يجري التحضير لها.
لا يملك المتابع بعد عمليتي نيوزلندا وهولندا، والحضور التركي فيهما، باعتباره القاسم المشترك الأبرز، إلا أن يتوقف عند ذلك، دون نفي أنّ عملية نيوزلندا جاءت في سياقات نمو وازدياد حضور اليمين المتطرف في أوروبا والغرب عموماً، وهو ما يطرح السؤال المركزي في هذه المقاربة، فيما إذا كانت حرب الكراهية والتطرف ضدّ المسلمين، أم أنّها بين تركيا والغرب وغطاؤها إسلامي؟ خاصة أنّ هذه العمليات تتزامن مع تصعيد في العلاقات بين أوروبا وتركيا، تشير مخرجاته الأولية إلى أنّ أوروبا لن تقبل بـ “تركيا أردوغان” عضواً في المجموعة الأوروبية، وأنّ أقصى ما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين تركيا وأوروبا هي وضعية الحليف بامتيازات خاصة، كما أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، العام الماضي.
المتابعون لتطورات ما يجري بين تركيا والغرب، يحذّرون من مغبّة نتائج السياسات التركية، باستخدام الإسلام لتحقيق أهداف سياسية
الصراعات في الإقليم، منذ انطلاق “الربيع العربي” عام 2011، وتحولاته، ثم الأزمة بين قطر وجيرانها السعودية والإمارات إضافة إلى مصر، أظهرت أنّ هناك أربعة مشاريع كبرى في الإقليم، تقودها القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة، وهي: مشروع حداثي مصري، وتحولات سعودية وإماراتية لمشروع حداثي في الخليج، ومشروع إسلام سنّي بقيادة تركيا، وآخر إسلام شيعي تقوده إيران.
من هنا جاء الدعم التركي لتنظيمات وأدوات سنّية في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وجبهة النصرة، التابعة للقاعدة، وشكوك حول ارتباطات مع تنظيم داعش، على خلفية القاسم المشترك معها باستعادة الخلافة الإسلامية، التي يفترض أن تستأنف من تركيا بصيغة العثمانية الجديدة، بالتزامن مع نشاط تركي متعدد الأوجه والجوانب في جمهوريات البلقان الأوروبية، مقابل دعم إيراني لتنظيمات وأدوات شيعية، وهو ما تمّت ترجمته في الساحات الأوروبية، من خلال دعم تركيا لجمعيات وتنظيمات إسلامية، والتوسع في بناء المساجد، وتعزيز حضور الهوية الإسلامية في أوروبا، بالتزامن مع جهود إيرانية لتعزيز حضور الإسلام الشيعي، بجهود استخبارية واسعة تستخدم البعثات الدبلوماسية لتنفيذ عمليات نوعية ضدّ المعارضة الإيرانية.
خطاب تركيا القائم على وراثتها للخلافة الإسلامية، وإعادة إنتاجها بمفهوم تركي جديد تحت مسمّى العثمانية الجديدة، وإدارة صراعاتها مع أوروبا والغرب، وفق هذه المقاربة، وبوصفها قائدة للعالم الإسلامي، تجد تأييداً في أوساط كثير من المسلمين، خاصة في أوساط تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين، ولكون استعادة الخلافة الإسلامية، تشكل مقدساً مسكوتاً عنه، تلتقي عنده غالبية الجماعات الإسلامية.
المتابعون لتطورات ما يجري بين تركيا والغرب، يحذّرون من مغبّة نتائج السياسات التركية، باستخدام الإسلام لتحقيق أهداف سياسية، وإمكانية ظهور خطاب عربي إسلامي، ينفصل عن الخطاب التركي، مما سيزيد من فرقة وخلافات العالم الإسلامي، التي ستتجاوز الخلافات المذهبية بين السنّة والشيعة.