الأردن اليوم – يلفظ موسم انتاج شجرة الزيتون المباركة أنفاسه الأخيرة مع اقتراب اربعينية الشِّتاء، لكنَّ نهايته كانت بداية الانتاج لعدد من السَّيدات اللواتي لا يملكن ثمن “مونة” البيت من الزَّيت ولا حتى ثمنه.
“لقَّاطات ورا حصَّادين”، هي قصة عدد من السَّيدات بعضهن اقترب من عمر السبعين عامًا، يخرجن منذ ساعات الصَّباح الباكر، ويسعين بين أشجار الزَّيتون التي تم قطف ثمارها من قبل اصحابها، لكنهم تركوا بعضًا من هذه الثِّمار، فكان ما تبقى رزقًا لتلك النسوة.
تخرج “أم محمد السَّبعينية وكنتها” منذ السَّاعة السَّادسة صباحًا من بيتهما، وتقطعان مسافة 7 كيلو مترات لتصلا إلى مزارع الزيتون في القرى المجاورة، والهدف جمع 400 كيلوغرام من الزَّيتون حتى تسمح المعصرة بعصرهم، والحصول على 16 كيلوغراما من الزَّيت، هو “مونة” للبيت طيلة العام.
تقول أم محمد، وعينها على حبِّ الزيتون في إحدى المزارع وسط المملكة، “لا نملك ثمن 16 كيلوغراما من الزَّيت، لكننا نملك العزيمة لجمع الزَّيتون وعصره والحصول على مونة تكفينا خلال العام، فالزَّوج متوف واورثها راتب تقاعد متواضع جدًا والأبناء متزوجون وبلشانين بحالهم”.
تُضيف أنَّها تمضي 9 ساعات يوميًا تبحث عن حبِّ الزيتون الذي تركه أصحابه في مزارعهم، وتتأمل أن تُكمل كمية 400 كيلوغرام قريبًا وقبل أن يحل البرد الشَّديد عليها.
وطلبت السّيدات عدم ذكر اسمائهن الصَّريحة، ويقولن “إحنا على باب الله”، وكلْ عام نعمل حتى “نجمع المحصول يوميًا ثم ندفع أجرة دينارين للمركبة التي ستقلنا إلى منازلنا، رغم أنَّ ثمن السَّيارة مكلف ومرهق لنا”.
أم خالد أنجزت المهمة ووصلت بما جمعته على مدار 20 يومًا إلى المعصرة، واستطاعت الحصول على 48 كيلوغراما من الزَّيت، لكنها تقول انها ترغب ببيع جزء منه، لحاجتها الى المال، فلا معيل لها وما يأتيها لا يكفي عيشها وعيش أبنائها.
وتضيف انها منذ أكثر من 10 سنوات تمارس هذا العمل، كل موسم زيتون، ولا تبالغ حينما تقول انها تطوف على أكثر من 10 مزارع زيتون وتتفحص أكثر من الف شجرة كل موسم لتحصل على ثمار لم يصلها أصحابها، أو تركها الحصَّادون خلفهم.
وتشير إلى ان بعض أصحاب المزارع قد يتركون بعض الأشجار التي لا تحمل الكثير من الثمر، ومنهم من يمنحها شجرة كاملة للحصول على ثمارها، الامر الذي يساعدها في جمع كمية جيدة للحصول على الزّيت.
وتقول أم أسامة انَّ شيبهن يزيد بسبب جمع ثمار الزيتون بهذه الطريقة وهذا العمر، لكن كل التَّعب يذهب بعد أول غمسة خبز في الزَّيت، مضيفة ان الشَّجرة المباركة لا تخذلهن، فكل شجرة مهما تعاقب عليها حصادون، يجدن فيها حبًا لهن.
أبو طارق نصرالله أحد المزارعين الذين يملكون مزرعة زيتون، يقول ان هذا العام كان عدد السيدات اللواتي يجمعن الزيتون” قليلا جدًا، بعكس السَّنوات السَّابقة، حيث كان العدد كبيرا جدًا.
وأضاف ان منح السيدات شجرًا لفرطه قليل جدًا ولا يحدث، لكن في بعض الأحيان هناك أشجار لا تحمل ثمرًا كثيرًا، فيتم تركها لهؤلاء النسوة ويقمن بجمع ما عليها من ثمر.
ويبدأ الأردنيون كل عام مع نهايات شهر أيلول وحتى نهاية كانون الأول بجمع ثمار الزَّيتون، يتخذون منه كميات “للكبس والرَّصيع”، ويعصرون كميات منه للزَّيت مونة للعام، ويستفيدون من جزء منه في التجارة، حيث يشتهر الأردن بزراعة كميات كبيرة من شجر الزَّيتون وعلى مساحات واسعة.
وينقسم الزَّيت إلى نوع ناتج من زيتون يسقى من ماء المطر، ويسمى “البعل”، بينما ينتج نوع آخر من زيتون يسقى على مدار العام ويسمى “سقي”، وكل منهما له خصائصه التي تميزه عن الآخر.
وتنتشر ظاهرة تعقب حبَّ الزيتون لدى السَّيدات بعد ان يقوم أصحاب هذه الأشجار بقطف ثمارها، ويبحثن عن مونة لبيوتهن، وإن استطعن أن يبعن ما زاد عن حاجتهن، كان لهن دخلا جديدا وإضافيا.
بترا