الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه أيام رمضان تتوالى موشكة أن تنتهي، وقد عشنا خلالها -ولله الحمد- أجواءً سمت فيها النفوس، وصفت فيها القلوب، فقد رأينا كيف ترق هذه القلوب وتلين بالقيام بالقرآن ليالي معدودة، وبمقادير محدودة، إذا ما قورنت بما كان عليه سلفنا الصالح، فكيف إذا استمر هذا الغيث طول العام، فكيف تكون الحال؟!
لقد تدربنا بشكل جماعي خلال هذه الأيام على القيام بالقرآن، وهذا مكسب عظيم، وثروة غالية لا تقدر بثمن، حري بكل مؤمن أن يجتهد في المحافظة عليها، وأن يحذر كل الحذر أن تضيع منه.
ها أنت قد تيسر لك أن تناجي ربك، تتنقل في ذلك بين قيام تقرأ فيه كلام ربك، وركوع تعظم الله فيه وتمجده، ورفع تحمد الله فيه، وتثني عليه، وسجود تسبح فيه ربك وتنزهه، وتتضرع إليه وتبث إليه همومك، وترفع إليه حوائجك، وجلوس تعتذر إليه من التقصير وتستغفره.
ها أنت قد تعودت كل ليلة أن تصلي عدداً من التسليمات في مواعيد محددة، تقرأ فيها قدراً من القرآن، بحيث تختمه كل شهر، يستغرق منك هذا القيام حدود الساعتين.
إن الالتزام بمواعيد للقيام بالقرآن كل ليلة، كما تعودنا عليه في رمضان، يجب أن يستمر بعد رمضان، وهي مواعيد كما جربت وشاهدت لا تتعارض مع حياتك الاجتماعية، ولا تعيقك عن التواصل مع الآخرين، ولو قدر أنها تعارضت فهي أولى بالتقديم، وهي أولى بالوقت من غيرها.
أيها الأخ المبارك إن رمضان يطل علينا كل عام ليذكرنا بهذا العمل العظيم الذي يغفل الكثير عن أهميته، وشدة حاجتهم له، حتى من بعض الصالحين.
يأتي رمضان ليبدأ التدريب الجماعي على هذا العمل الذي تشتد حاجة الأمة إليه؛ ليكون حافزاً على الاستمرار فيه بشكل فردي بعد انقضاء رمضان، وطول العام.
وسنة بعد أخرى يرتفع المسلم درجة فوق درجة في هذا السلم، وترتفع مرتبته، ويزيد قدره عند ربه، فتحصل له السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
أخي في الله.. لا يكن آخر عهدك بالقيام بالقرآن هو سماع خبر العيد، وربما رأيت هذا المشهد أوضح ما يكون في المسجد الحرام، فحين يعلن خبر العيد، فإن معظم الناس إما ينصرفون، أو يجلسون للقيل والقال، والقهوة والشاي، والقليل منهم من يواصل القيام بالقرآن، ذلك أنه فعلاً استفاد من درس رمضان، وأدرك حقيقة هذا العمل، هنا يتبين من شفي بالقرآن ممن لا يزال قلبه مريضاً، وبحاجة ماسة للعلاج.
أخي في الله.. أرجو أن تقف وقفة صادقة، وتتفكر في نفسك، فإلى متى الغفلة؟ وإلى متى التفريط؟ ومتى نعرف قيمة القرآن ونقدره حق قدره، ونتعامل معه بطريقة صحيحة؟!
أيها الناس: قوموا بالقرآن تصحوا قلوبكم، وتصح نفوسكم وأبدانكم، وتنشرح صدوركم، وتحصل لكم العافية في كل أموركم.
أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.