الاردن اليوم -فيما رفض سياسيون وأكاديميون أردنيون تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها عزمه فرض “السيادة الإسرائيلية” على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في حال أُعيد انتخابه، اكدوا أن هذا الفكر ينطوي على سياسة احتلالية عنصرية من شأنه إذا تحقق على أرض الواقع إجبار سكان المنطقة من الفلسطينيين على العيش بدولة تمييز عنصري ضمن الكيان الاسرائيلي.
وأكد هؤلاء أن ضم الأراضي والمستوطنات يعني تعطيل حل الدولتين، مشيرين من جانب آخر الى ان المنظمات الاسرائيلية في اميركا ترى ان محاولات نتنياهو ضم الأراضي الفلسطينية يعني تدمير الدولة اليهودية ديمغرافيا. وأشاروا الى أن توقيت هذا الإعلان وإن كان يتزامن مع الحملة الانتخابية لنتنياهو، إلا أنه يأتي أيضا في سياق اقليمي ودولي وحالة من الضعف العربي غير المسبوق وعدم الاستقرار في المنطقة، اضافة الى وجود إدارة أميركية يمينية كإدارة ترمب شجّعت اليمين الاسرائيلي على التغول من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بضم الجولان والسيادة عليها.
وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة سابقا الدكتور محمد المومني قال، ان نوايا نتنياهو ليست جديدة، فقد أعلنها عدة مرات سابقاً، لكن هذه المرة تأتي على شكل وعد انتخابي قد يستخدمه لاحقا لإقناع الإدارة الأميركية بضرورة تنفيذه لأنه التزم به سياسيا في الانتخابات، في محاكاة لنهج الرئيس الاميركي في تنفيذ الوعود.
وأضاف، إن ضم أراض في الضفة والغور وفرض السيادة الاسرائيلية عليها يعني سياسيا نسفا لعملية السلام ومرجعيتها “الأرض مقابل السلام”، ويعاكس مبادئ القانون والشرعية الدوليين، التي استندت إليها المبادرات والوساطات عبر عقود من الزمن.
وأشار المومني إلى أن رد الفعل العربي كان لافتا، اذ صدرت الإدانة باسم اجتماع وزراء الخارجية العرب، ودعوة لعقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لبحث الخطوات المطلوبة للوقوف بوجه إعلان نتنياهو.
وأكد المومني أن ضم الأراضي والمستوطنات يعني تعطيل حل الدولتين، والذهاب لخيار الدولة الواحدة، مشيرا الى أن السعي لقضم الأراضي لأسباب دينية يعني إنهاء إسرائيل وجودياً، فكما أن حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية مصلحة عربية وفلسطينية وطنية وسيادية كبيرة، هو ايضا مصلحة إسرائيلية وجودية، لكن نتنياهو لا يقبل هذا المنطق ولا يفهمه، فهو مهتم فقط بكم الاصوات التي سيحصل عليها.
وزير الدولة لشؤون الإعلام سابقا الدكتور سمير مطاوع وصف نتنياهو بأنه “رجل أهوج لا يحمل أي فكر سياسي مستقبلي على الإطلاق، وكل ما يريده هو الفوز بالانتخابات”، مشيرا الى أن ما يريده من ضم الاراضي يعتبر ضد القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن الدولي ، واساءة إلى الدولة الاردنية التي تحمل معاهدة سلام، وتعتبر الوصية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وأضاف، منطقة الغور هي اراض مجاورة للأردن، وأي إساءة باستخدامها يعني الإساءة للدولة الأردنية، منبها الى ان إرادة نتنياهو تنسف اساس حل الدولتين، او أي حل فيه بعض من الإنصاف للفلسطينيين.
وأشار مطاوع الى ان العالم كله أجمع على أن الحل الوحيد للأزمة هو قيام الدولتين – دولة فلسطينية ودولة لليهود في جزء من فلسطين- ، لكن هم نتنياهو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، مؤكدا انه لا حل دون قيامها.
وقال، نتنياهو يريد ان يغازل اليمين المتطرف في اسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر، برسالة مفادها أنه من خلال ضم الغور وشمال البحر الميت والمستوطنات المقامة في الضفة الغربية سيحول دون قيام الدولة الفلسطينية، ولن يبقي للفلسطينيين سوى بضعة كانتونات سكنية غير متصلة جغرافيا، لكنه سيفشل في فعل ذلك.
ونبه مطاوع إلى ان الاردن هو الدولة الوحيدة التي تقف بإصرار ضد مواقف اسرائيل الاستيطانية التوسعية منذ بدء الأزمة، فجلالة الملك عبدالله الثاني يبذل كافة الجهود، ويخاطب جميع المجتمعات الدولية المؤثرة من اجل ضبط الفرامل على نتنياهو والسياسة الفاشية المتطرفة بإسرائيل.
وأشار الى أهمية دعم الدول العربية والاسلامية البالغ عددها 57 دولة، وتوحدها على موقف حازم لردع هوس نتنياهو وإفشال مخطط ضم الاراضي الفلسطينية، كحذرا من أنه إذا تم فعلا ضم هذه الاراضي للسيادة الاسرائيلية فهذا معناه ان سكان هذه المنطقة ومعظمهم من الفلسطينيين، سيكونون أمام خيارين: اما أن يصبحوا مواطنين بالدولة الاسرائيلية او تصبح هذه الدولة قائمة على التمييز العنصري، اليهود فيها لهم كل الحقوق، والفلسطينيون بلا حقوق”.
وقال مطاوع، لهذا السبب لم تحاول اسرائيل للآن ضم المناطق المحتلة خشية الخطر الديمغرافي على اسرائيل، موضحا ان المنظمات الاسرائيلية في اميركا ترى ان محاولات نتنياهو ضم الأراضي الفلسطينية يعني تدمير الدولة اليهودية ديمغرافيا، مؤكدا انه لن ينجح أي حل في المستقبل سوى إزالة نتنياهو عن طريق الحل الدولي، أما على المدى القريب فيجب ان يكون هناك تحرك دولي عربي واسلامي سريع ضد سياسة نتنياهو الاحتلالية والعنصرية.
خبير القانون الدولي المحامي الدكتور انيس قاسم قال، في مسألة إعلان نتنياهو لا بد من الإشارة إلى نقطتين، اولاهما: أنه ليس صحيحا القول أن نتنياهو يستخدم ذلك في حملته الانتخابية، إذ أن السيطرة على الأغوار، هي من السياسة الثابتة للحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية بعد حرب 1967، وينطبق هذا على الحكومات العمالية والليكودية.
وأضاف، ان السيطرة الاسرائيلية على الأغوار هي قائمة فعلياً منذ أواخر السبعينيات، موضحا أن اسرائيل أقامت فيها مستوطنات وأدت سياساتها إلى تهجير العديد من الفلاحين الفلسطينيين وحرمانهم من الوصول إلى مصادر المياه التي يحتاجونها في ري أراضيهم ما اضطرهم إلى ترك الأرض، وبالتالي انخفض عدد المزارعين الفلسطينيين في هذه المنطقة ونمت مستوطنات يهودية بدلاً منها.
“ومع نمو المستوطنات الاسرائيلية، بدأت اسرائيل بفرض قوانينها على تلك المستعمرات، بمعنى أن اسرائيل كانت تقوم بعملية ضم واقعي” بحسب قاسم، الذي يشير الى ان ما يحاول نتنياهو فعله الآن هو “إصباغ صبغة قانونية اسرائيلية على وضع قائم، وبالتالي هذا الإعلان الذي يتحدث عنه نتنياهو هو عبارة عن تزييف للواقع، أي أن الضم كان قد حصل”.
وأشار إلى أن هذا مخالف للقانون الدولي فدولة الاحتلال لا تملك تغيير الصفة القانونية لهذه الأراضي بتشريع وطني.
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاردنية الدكتور حسن المومني قال، بالنسبة لنية نتنياهو ضم غور الأردن والمستوطنات الموجودة فيه، فإن ذلك يبقى وعداً على اعتبار أنه جزء من الحملة الانتخابية المحمومة، وبخاصة في الوضع الصعب الذي يمر به نتنياهو نتيجة الاتهامات الموجهة له .
وأضاف، ان نتنياهو ينتمي الى تيار ونهج يميني يؤمن بأن “أرض فلسطين هي أرض إسرائيل” وأن الفلسطينيين “طارئون” عليها، وهذا التيار لا يؤمن بمسألة دولة فلسطينية مستقلة، كما ان هناك تجارب مريرة مع إسرائيل في مسألة الضم، حيث أصدرت قرار ضم القدس سابقا، مشيرا الى محاولات ضم الجولان في هذا الاتجاه وكذلك المستوطنات.
وأوضح أن هذا النهج المنظم قائم على أساس احتلال الأرض وضم الأراضي الفلسطينية، كما أن مسألة الوعود وحتى القرارات الإسرائيلية التي اعتمدها الكنيست كانت ضد القانون الدولي وضد قرارات الأمم المتحدة، خاصة عند الحديث عن قراري (242) و(338)، ولذلك لا غرابة في إصدار مثل هذه التصريحات، التي قد تترجم طبيعيا في سياق انتخاباته.
واشار المومني الى ان حكام وقادة اسرائيل لطالما تحدثوا عن ضرورة أن يكون هناك تواجد اسرائيلي دائم في منطقة غور الأردن، مشيرا الى ان وعد نتنياهو بضم المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت يصب في هذا الاتجاه.
وأضاف، ان التصرف الاسرائيلي يأتي في سياق اقليمي ودولي ساعده في ذلك حالة الضعف العربي غير المسبوق وحالة عدم الاستقرار في المنطقة، اضافة الى وجود إدارة أميركية يمينية كإدارة ترمب التي شجّعت اليمين الاسرائيلي من خلال الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بضم الجولان والسيادة عليها، والضغط على الفلسطينيين، ما شجّع نتنياهو الاعلان عن عزمه ضم الغور وشمال البحر الميت . وقال، إن احتلال اسرائيل للضفة هو بالأساس غير قانوني، وبالتالي فإن مسألة الضم من الناحية القانونية لا تعني شيئا، اذ تحاول اسرائيل ايجاد وقائع تشكل ضغوطا على الفلسطينيين والعرب.
وأشار إلى أن هذا الأمر يبدو على هيئة تكتيك انتخابي أو تفاوضي يحقق أهداف (صفقة القرن) بإيجاد حقائق على الأرض تسبق تنفيذها، مبيناً أن التفاوض على هذه الحقائق يهدف الى انتزاع الكثير من التنازلات من الجانب العربي والجانب الفلسطيني، آخذين بعين الاعتبار حالة الضعف العربي والانقسام الفلسطيني، والظرف الدولي الذي يتسم بحالة عدم الاستقرار ووجود إدارة أميركية داعمة لنتنياهو والتيار الذي يمثله.
رئيس الهيئة الاسلامية العليا وإمام وخطيب المسجد الأقصى الدكتور الشيخ عكرمة صبري، قال لوكالة الأنباء الأردنية إن تصريحات نتنياهو عشية الانتخابات تأتي بهدف الحصول على المزيد من الأصوات، مشيرا الى انها استراتيجية مدروسة للاحتلال وليست مجرد دعاية انتخابية، بل أطماع احتلالية لبسط النفوذ أكثر على فلسطين.
وأشار صبري الى أن “نتنياهو انتهز قرب الانتخابات الاسرائيلية ليعلن عن هذه الأطماع والمخططات العدوانية التي ينفذها الاحتلال تدريجياً بيسر وسهولة، إذ ان العالمين العربي والإسلامي في غفلة عن فلسطين، فضلا عن التطبيع الواضح لبعض الدول العربية مع الاحتلال”.
السياسي والاقتصادي الدكتور جواد عناني اعتبر أن تصريحات نتنياهو تشكل مخالفة واضحة وخروجا عن المعاهدة الأردنية الاسرائيلية، لأن الأردن رفض منذ البداية أن تكون الحدود على امتداد الأردن مع الضفة الغربية، في وقت كانت فيه الأراضي الفلسطينية كافة محتلة.
وأضاف عناني، ان توقيت هذه التصريحات بالتزامن مع قرب الانتخابات الاسرائيلية هو رسالة لليمين المتطرف الاسرائيلي مفادها الرغبة في تنفيذ مخططاتهم بضم هذه المناطق، فهو يحاول استجداء أصواتهم، لافتا الى أن هناك ثلاثة أمور تفسر مطامع اسرائيل في هذه الأراضي؛ هي “توفر المياه، وخصوبة الأرض، ورغبة الاحتلال بالسيطرة على الحدود الأردنية والتحكم في حركتها بحجة الحفاظ على الأمن الاسرائيلي، وهذا ادعاء كاذب من قبلهم، إذ إن الأردن لم يتعد على حدودهم بل هم من دأبوا على خرق معاهدة السلام مرات ومرات”.
وتبلغ مساحة غور الأردن 2400 كيلومتر مربع، أي نحو 30 بالمئة من الضفة الغربية، ويمتد من البحر الميت في الجنوب حتى مدينة بيسان شمالا.
وتقول إسرائيل منذ فترة طويلة إنها تعتزم الحفاظ على السيطرة العسكرية هناك في ظل أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
بترا