الأردن اليوم _ د. صبري الربيحات
الخوف والهلع الذي أحدثه فيروس كورونا ليس جديدا ولا مستغربا فقد عانت البشرية من اجتياح موجات جرثومية تسببت في فناء وإبادة الملايين وخلق الكوارث الصحية والبيئية التي لم يكن بمقدور الامم السيطرة عليها. في القرون الوسطى تمكن الطاعون الذي انتشر عبر القارات القضاء على الملايين من الافراد دون ان تمتلك البشرية وسيلة للوقاية او العلاج. وفي اماكن مختلفة من العالم ظلت الحصبة والكوليرا والجذام وغيرها من الامراض أخطارا تحصد ارواح الملايين كل عام.
الراهب الانجليزي روبرت مالثوس رأى ان النمو السكاني المتسارع خطر على مستقبل البشرية. فقبل ما يزيد على مائتي عام خرج بنظرية محافظة اعتبرت احد اهم منطلقات وقواعد علم الديمغرافيا. لقد رأى مالثوس في النمو السريع للسكان وصفة للاختلال في معادلة الموارد والسكان بعد ان لاحظ التزايد السكاني بمتوالية هندسية تختلف عن الغذاء الذي لا يتزايد بنفس السرعة. بسبب هذا الاختلال في معادلة الغذاء والسكان رأى مالثوس ان مستقبل البشرية مهدد بالجوع والامراض وانتشار الاوبئة والمفاسد. بالنسبة للراهب مالثوس لا يوجد حل او خروج من هذا المأزق او تجنب لهذه الكارثة الا بالامتناع عن الدخول في علاقات جنسية والتوقف عن الزواج والتوجه نحو الرهبنة.
من الطبيعي ان يصل مالثوس الى مثل هذه الاستنتاجات لكن المثير للاهتمام ان الاوبئة التي تحدث عنها مالثوس ظهرت في بلد مكتظ سكانيا كالصين وتولد الفيروس من اغذية يتناولها الصينيون وتشمل كل ما تقع عليه اياديهم من الكائنات الحية التي لا يقبل احد على استهلاكها في ثقافات اخرى.
بعد رحيل مالثوس بعقود ومع نهايات القرن التاسع عشر تسارعت عجلة البحث والاكتشافات وأسهم العلم في التعرف على اسباب بعض الامراض وسبل تقوية المناعة والتحصين وطرق العلاج وتطورت التكنولوجيا الطبية وتوسع العالم في استخدام مستحضرات النظافة والتعقيم الامر الذي اسهم في تقليص اخطار الاوبئة وخفض نسبة الوفيات ودخول العديد من الامراض تحت نطاق السيطرة الطبية.
اليوم لا يملك المتابع للشأن العالمي الا ان يلحظ السباق المحموم بين مجموعة من الامم على الوصول الى المواقع الاولى بين الكبار في السياسة والاقتصاد والعلم والتكنولوجيا والقوة العسكرية والرفاه. منذ مطلع القرن العشرين والولايات المتحدة تتقدم تكنولوجيا وعسكريا واقتصاديا بفضل التعليم وروح المغامرة والبعد عن الصراعات ومع حلول الحرب العالمية الثانية كان التدخل الاميركي في انهاء الحرب حاسما مما أكسبها المكانة لفرض هيمنتها على عالم ما بعد الحرب وقيادة الجهود الاممية لتنظيم شؤون العالم ومنع وقوع حروب مماثلة.
الى جانب الولايات المتحدة تقف الصين والمانيا واليابان كقوى اقتصادية مهمة ومؤثرة في اقتصاد عالمي يبلغ اجمالي ناتجه السنوي ما يقارب الـ90 ترليون دولار. وفي كل عام تجتمع الدول الاقوى تارة الثماني واخرى العشرون لتبحث في مصير ومستقبل العالم السياسي والاقتصادي. التنبؤات التي تجريها مراكز الابحات والمستقبليات تشير الى ان الصين باتجاهها لتصبح القوة الاقتصادية وربما العسكرية في العالم فقد سجلت نموا اقتصاديا لم يقل عن 6 % في أسوأ الاحوال وأظهرت كفاءة اقتصادية عالية جعلها تستحوذ على معظم اسواق العالم بما في ذلك السوق الأميركي الامر الذي أثار اعجاب البعض وحسد ومنافسة البعض الاخر لكنه أغضب ومن دون شك الولايات المتحدة ورئيسها الذي حاول ويحاول الحد من تقدم الصين بشتى الطرق.
في تقرير لمركز برايس ووتر هاوس كوبرز العالمي صدر قبل ثلاثة اعوام،تضمن تنبؤات تشير الى ان الصين سيصبح اقتصادها الاول في العالم متفوقة على الولايات المتحدة في حين ستحتل كل من الهند واندونيسيا والمكسيك والبرازيل مواقعها بين اقوى عشر دول اقتصاديا في العالم، فيما سيتخلى العديد من الدول الاوروبية عن مواقعه المتقدمة لحساب العديد من الدول النامية او متوسطة النمو.
ظهور فيروس الكورونا في الصين أثار حفيظة العالم وأثار الشكوك لدى البعض حول مصدره وعوامل وتوقيت ظهورة. والأسباب التي أخرت اكتشاف علاجه والآثار التي تركها وسيتركها على مستقبل الصين والعالم؟
(الغد)