مازن البشير كَرِيم المَحْتِد طيّب النسوغ

الأردن اليوم _ د.نضال القطامين

مثل مسافر في حقول الورود، بين جنبات الطرقات من نابلس إلى السلط، تلك التي تعلّم فيها حروفه الأولى في الرجولة والإنسانية والطب، مثل مسافر يُوكِلُ للناس كتابة مشاعرهم بالدمع، يرخي مازن البشير عنان حصانه، ويسند للموت مؤونة الإنصراف من زمن جميل، عاش فيه طبيبا وإنسانا كامل البهاء والشموخ ووافي الإحترام.

يرحل مازن، فيترك بذكراه النبيلة محطة زاهرة من “محطات رحلتي مع الحياة”، كتاب والدته الذي قرأت فيه علينا، سفرا من المجد والأصل الطيب والوفاء.

مثل احتجاب القمر في كبد السماء، مثل وقوب الشمس، أفولها وانحدارها من تلال السلط نحو جبال نابلس حيث نسوغ أسلافه، مثل ضحكة جميلة توارت على الشفاه، مثل كل ذلك، يرحل مازن البشير، ويُبقي على قسمات الوجوه سِيماء الحزن وشواهد الحسرات.

يمسي مازن اليوم راحلا يكتنفه الرضا ويحدق به الحُبُور. يرحل وفي نفس كل حيّ ألفهُ، دمعة وأسى، على الفتى كَرِيم المَحْتِد الذي اختلطت بوجنتيه بسماتنا وقد اقتصت منها الحادثات، على الفتى البهي، أبن أمه وأبيه، وقد رأوا في غرسهم فرسانا لخيول الوطن، وجنودا لنهضته.

أعرف مازن منذ أمد ليس يسير، منّ علينا، لشمائله اللطيفة وعبقريته الفذة، فكان طبيب اسرتنا، أعرف والده الشهيد وقد ارتحل بعد أن اطمأن على بسمة طفل في مستشفى الطفيلة وقد كان صديقا لأبي نضال، أعرف والدته التي أوكل لها الشهيد واجبها المقدس في تنشئة أبناءها فأخرجتهم فرسانا للوطن، أعرفها وقد خطّت في حياتها نهج التطوّع وأمل ” الأسرّة البيضاء”. أعرف أهله كما أعرف أهلي، وحين أغذ السير للعزاء، سأبكي مع عوني وصلاح وعامر وبلال وعبد الرحمن، فتىً غض الإهاب، غاب واحتجب، في أصداء المواقف السامية الشريفة.

يرحل مازن قبل أن ترى عيناه تداعيات الزمن الردىء، يرحل قبل أن يرى تنفيذ الوعود في الصفقة الصفيقة، أسهل من إغماءة أو من نوبة أسى، يرحل ويبقي لنا الأمل، بأن في الحياة بعض نبل وشرف وسموّ، يرحل ولعله يقول لنا، أنا على دين أهلي وعلى اعتلائهم في الحادثات وهممهم السامقة، وجودهم الندي الباذخ.

يرحل مازن، وأردد مع المتنبي في تراب الربوات والنجاد:-

الحُزنُ يُقلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَردَعُ

وَالدَمعُ بَينَهُما عَصِيٌّ طَيِّعُ

مَن لِلمَحافِلِ وَالجَحافِلِ وَالسُرى فَقَدَت بِفَقدِكَ نَيِّراً لا يَطلَعُ

وَمَنِ اِتَّخَذتَ عَلى الضُيوفِ خَليفَةً
ضاعوا وَمِثلَكَ لا يَكادُ يُضَيِّعُ

يرحمك الله يا صديقي، والعزاء للوطن وللسلط ولأسرتك النبيلة وأهلك الطيبين، وقد زرعوا رايات مجدهم في القمم رجال دولة واهل جود وندى.