بات التباعد الاجتماعي الذي يتضمن تطبيقه البقاء في المنازل، وعدم مغادرتها وتجنب الاتصال المباشر مع الاخرين إجراءً ضروريًا لاحتواء انتشار وباء فيروس كورونا، ما ادى لتغيير أنماط وسلوكيات الحياة الاجتماعية، ولكنه فرصة لتقريب المسافات بين القلوب المتخاصمة واعاد لغة التواصل بينها.
وتقول ام راكان، إنها تفاجأت بمكالمة هاتفية من ابن اختها بعد جفاء دام سنوات والتي كانت تظن سماع صوته مجددًا بحكم المستحيل، ولكن وبعد الاجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا ومنها الالتزام في المنازل وعدم مغادرتها الا للضرورة القصوى جعله يحادثها بلهفة وبصورة متواصلة ليطمئن على احوالها.
ولم يكن الحال يختلف لام كريم والتي هاتفت شقيقها المغترب لتهنئته بعيد ميلاده، والذي جعل الاتصال من تلك المناسبة يومًا جديدًا لعودة دفيء التواصل بينهما، وتقول انها قررت ان ترمي القطيعة والخصومات للماضي وان تفتح قنوات الاتصال مع صديقاتها اللواتي لم تتواصل معهن منذ سنوات، لان ترى ان الحياة لا تستحق ان تلوثها مشاعر البعد او الخصومة ولا تنكر بأن الخشية من فيروس كورونا وتداعياته جعلها تعيد حساباتها وتتواصل مجددا مع اقاربها وصديقاتها لتكتشف مقدار جمال الحياة وقيمة الحب والتواصل.
ولعل الامر الاكثر طرافة في ظل تداعيات انتشار فيروس كورونا بالنسبة لاحمد وخطيبته هناء كونهما قررا الانفصال بعد ارتباط داوم نحو سنة قبل انتشار فيروس كورونا، ولكن وبعد انتشاره تغيرت كل الحسابات للعلاقة بينهما، بحسب احمد الذين يقول انه وجد ان الخلافات بينهما كانت هامشية ولا تستحق ان تقود لانفصالهما ، وبدأت محاولات الاتصال وكتب احمد لخطيبته هناء رسائل كان يخشى ارسالها سابقا خشية صدها وتأزيم العلاقة بينهما، ولكنه تفاجأ بمشاعر القبول وليكتشف انه وخطيبته هناء يظهرا اجمل مشاعر الحب لبعضهما ولتعود العلاقة بينهما على خير ما يكون والعزم على تجاوز الخلافات محو المستقبل المشرق والواعد.
ويقول مدير اوقاف اربد فضيلة الشيخ عمر الحموري، إن الظروف الاستثنائية التي نعيشها للوقاية من وباء فيروس كورونا والتي تتضمن تعقيم وتطهير البدن والحرص على النظافة حفاظًا على الحياة، ينسحب كذلك على التسامح وتطهير القلوب للشعور بالراحة والطمأنينة والأمان، والتي تتجسد بإستخدام مطهرات القلوب، وهي بذكر الله سبحانه والدعاء الصادق المخلص ثم إخراج الحسد والبغض والكراهية التي ملأت بعض القلوب واصبحت مرتعًا خصبًا لجراثيم الفرقة، وفيروسات الخصام وبكتيريا الكراهية والحسد.
واشار الشيخ الحموري إلى انه ومع تعقيم الأبدان لا بد ان نسارع إلى تعقيم القلوب وتطهيرها، فنحن بأمس الحاجة لاستثمار البقاء في المنازل كإجراء احترازي للحد من اتشار فيروس كورونا الى العودة دفئ العلاقات الاجتماعية بين الاقارب والاصدقاء والتسامح وإزالة الخصومات والقطيعة وتجاوزها، حيث أن الاجراءات الاحترازية لاحتواء انتشار فيروس كورونا والوقاية منه فرصة قيمة للتصالح مع الذات والتسامح مع الاخرين، وكذلك فرصة للتآلف والتكاتف والتي تحمل كل معاني العطاء والسلام والعفو وسبيلا الى رضى الله والجنة مصداقًا لقوله تعالى في سورة (آل عمران).: ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) .
ويزيد الحموري، أن العفو والتسامح سبيلًا إلى العزة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ” (رواه مسلم)، مشيرا الى أن التسامح والعفو، هو الأساس لحياة سعيدة وجميلة خالية من الكدر والهم والنكد لان المتسامح مع الآخرين يشعر بالراحة والسعادة وصفاء النفس ويعيش حياته كلها بسعادة لأنه يمد جسور الخير والمحبة والإخاء والرحمة ومع الاخرين ويسعى الى توطين العلاقات الإنسانية الحميمة والمودة وكسب محبة الآخرين وكسر الحواجز التي وضعها التكبر والقسوة والبطش بالآخرين.
واشار الى أن التسامح كذلك سر للمحبة والتعاون بين الناس، ومفتاح القلوب والشعور بالسلام الداخلي، والعلاج للقلب والروح والرغبة بفتح نور البصر للمستقبل الواعد بدلا من أن نحاكم الاخرين ولنجعل القلوب طاهرة من براثن الحقد والكراهية، فعندما تطهر النفوس وتطمئن القلوب يعم الخير والراحة والتراحم والمودة لقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
–(بترا)