الأردن اليوم- بدا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز مرتاحاً أكثر بشأن الوضع الصحي في البلاد بعد أسابيع طويلة من الإجراءات المتّخذة لمجابهة أزمة كورونا التي عصفت بالعالم أجمع
الرئيس لم يخف ملامح انزعاجه من تبعات “كورونا” اقتصادياً، حيث ظهر خلال مؤتمر صحفي عقده مساء الثلاثاء، وكأنّه يعلن عن بداية معركة جديدة ضد الوباء عنوانها الأبرز “التعافي الاقتصادي”
لا ينكر أحد التقدّم الكبير الذي أحرزه الأردن في مواجهة كورونا بإدارة حصيفة قادها جلالة الملك، وجعلته محط أنظار الجميع، ويبدو أنّ الرئيس رغب بأخذ دور وزير الصحة عندما أعلن “اليوم الثامن في المملكة بصفر حالات”
الرزاز كان يتحدّث في اليوم الذي حطت فيه الطائرات التي تقل أبناءنا الطلبة مطار عمان، وكأنه يريد أن يرسم خطاً زمنياً فاصلاً بين الحالات الصفريّة وبين الإصابات التي قد تُعلن مع مجيء الطلبة العائدين
تمكّنت خليّة الأزمة ولجنة الأوبئة من خفض منحنى التسارع في وتيرة الإصابات و”سوّته” في مشهدٍ لم يتوقّعه أكثر المتفائلين، وكسرت الدولة حلقات العدوى، فبعد أن كانت التوقعات تشير إلى 5 آلاف إصابة في منتصف شهر نيسان هي اليوم بأقل من 500 إصابة مع قرب انتهاء الثلث الأوّل من أيّار
أتت الإجراءات الرسمية أكلها، والنداءات باتباع القواعد الصحية والتباعد الاجتماعي واحترام جهد الكوادر الصحية والأجهزة الأمنية المناوبة على مدار 50 يوماً لم تضع سدىً، فكان لأجهزة الدولة والمواطنين ما أرادوا، لتتعافى المملكة بتكاتف الجميع
** سيناريوهات ومراحل
يشدّد رئيس الوزراء في حديثه على السيناريوهات، وهي مسارات دوليّة مبنيّة على محاكاة علميّة حول تبعات تعامل الحكومات لمواجهة الأزمة، السيناريو الأول كان يعني وصول الحالات إلى نحو 26 ألفاً ونحو الفي وفاة، والثاني تصل فيه الإصابات إلى 9600 حالة ونحو 700 وفاة، والثالث 4 آلاف إصابة و300 وفاة، قبل أن يُعيد التذكير أنّنا اليوم نقف عند حدود الـ 465 إصابة و 9 وفيات
السيناريوهات التي عُرضت برسومٍ بيانيّة كانت تغوص في أعماقها الفرق الحكومية يومياً، وثبت أن العمل في كلّ مؤتمرٍ كان مبنيّاً على دراسات علمية، تتوقّع أسوأ السيناريوهات وأفضلها، في حين لم يغب عن بال الحكومة دراسة التبعات الاقتصادية الناجمة عن قراراتها
ما حدث فعلاً هو سيناريو رابع لم يكن متوقعاً، لكن الفرق اجتهدت للوصول إليه، بعد أكثر من 50 يوماً، فلم تتجاوز الإصابات حاجز 500 إصابة و9 وفيات، وهو انجاز يستحق التفاعل الإيجابي والبناء عليها سواء من المواطنين أو القطاعات الخاصة، ولو وقعنا – لا سمح الله في أيّ سيناريو آخر لكان الضرر أكبر، ولتوقفت الحياة لأمد قد يطول حتى خريف هذا العام
مسار تعاطي الأردن مع الأزمة عدّدها الرئيس بثلاث مراحل، أوّلها الاستجابة الفورية، وهنا تعود بنا الذاكرة إلى نهاية شهر كانون الثاني حين أرسلت الحكومة طائرة لنقل الطلبة الأردنيين من ووهان الصينية استجابة للتوجيهات الملكية، تلاها تعطيل للدوام واغلاق للمنشآت العامة، ثم اعلان قانون الدفاع لتسهيل اتخاذ القرارات الحكومية في مواجهة الأزمة بسرعة وبفعالية
الاستجابة الفورية وهي المرحلة التي استمرت حتى اليوم، بمواجهة النقاط الموبوءة وحصرها وإرسال عشرات الفرق الاستقصائية للبحث عن كل المخالطين، فوصل عدد الفحوصات إلى أكثر من 80 ألف فحص خلال هذه المدّة، ضُبطت بعناية فائقة وساعدت على منع حدوث أيِّ نمو “أسّيّ”، يُرهق الكوادر والأجهزة ويزيد عن استيعاب القطاع الطبي
المرحلة الثانية هي مرحلة التكيّف والتكافل؛ والتي بدأت مع إصدار أمر الدفاع رقم 4، بإنشاء صندوق همة وطن والذي يعني بجمع التبرعات لصالح المجهود الوطني في مكافحة الوباء، ثمّ صندوق وزارة الصّحّة، ثمّ أمر الدفاع رقم 5 المتعلّق بإجراءات التقاضي، ثمّ أمر الدفاع رقم 6 والمتعلّق بالعمل المرن، وما تلاها من أوامر دفاع وقرارات منها توسّع عدد المستفيدين من برامج المعونة الاجتماعيّة واطلاق برامج تضامن (1) وتضامن (2) ومساند، للتعامل مع المتضررين مع عمال المياومة، كما شملت التعلّم والعمل عن بُعد
ثم بدأت المرحلة الثالثة والمتعلّقة بالتعافي، سواء التعافي الصحي أو الاقتصادي، من خلال ما تمّ من إجراءات وقائيّة صحيّة وزيادة عدد الفحصوات العشوائيّة، وزيادة التوعيّة بأهميّة الالتزام بالإجراءات، واغلاق المطارات أمام القادمين وحجر آخر الدفعات على مدار 14 يوماً، فيما بدأت الحكومة بالنظر إلى مرحلة التعافي الاقتصادي من خلال تشكيل مجلس استشاري يعنى بالسياسات الاقتصادية ترأس الرزاز أولى اجتماعاته، ثم توسّعت الحكومة بالفتح التدريجي للقطاعات والتخفيف من الغلق
** التعافي المرجو
الرزاز ورغم حالة الاطمئنان الواضحة على محياه حول الوضع الصحي في المملكة إلا أنّه دعا “للعمل الجمعي والشراكة”، بسبب الخشية من قادم الأيام اقتصادياً، ويطلب “الذهاب معا نحو التعافي المرجو”، وقد يقرأ مراقبون عباراته كدعوة غير مباشرة للقطاع الخاص الذي لا زال مطلوباً منه المساعدة بشكل أكبر في ظلّ كلّ هذه التحديات
رغم الأيّام القاسية التي مرّت على الأردنيين خلال مواجهتهم أزمة كورونا، إلا أنّ حديث الرئيس الأخير يسدل الستارة عن مرحلة مفصليّة، وهو يقدّم شكره للجميع، للمواطنين، والقوات المسلحة والأجهزة الأمنيّة والكوادر الطبيّة، ويؤكد على نجاح آليات التعامل مع الوباء، سواء الحظر المبكر، أو الفحوصات العشوائية وآليات الحجر الصحي المنظّم والعلاج، ومع كلّ هذا، علينا توخّي الحذر مع وباء كورونا، فهو “غدّار” كما وصفه وزير الصحة ذات إيجاز