كتب رئيس هيئة الاستثمار الدكتور خالد الوزني:
في الخبر اليوم أن العالم لم يعد قادراً على البقاء رهينة لوباء كوفيد-19، أو الفيروس التاجي المُسمى كورونا.
وفي الخبر أيضاً أن علماء الوقاية والطب والصحة يشيرون بوضوح إلى أن التعايش مع هذا الوباء هو مخرج الدول نحو العودة إلى حياة شبه طبيعية إلى ابعد الحدود، شريطة أن يحكمها مجموعة من سلوكيات الوقاية، والحماية، والتحصّن ضد الوباء، ضمن طقوس باتت مقبولة مجتمعياً إلى حدود بعيدة.
وعلى رأس ذلك التباعد الجسدي، وترشيد التواصل الاجتماعي المباشر، وحتى تغير قواعد العبادات الدينية، بما فيها صلاة الجماعة، التي تفتقدها الشعوب من شتى الديانات.
وبات من الواضح أنها ستعود ولكن ضمن قواعد فرضها الفيروس التاجي غير المحمود.
اليوم تتحدث الخبرات الطبية أن واقع حال الفيروس يشير إلى أن ما يزيد على 95% من المصابين يتعافون بشكل تام، وأن بين موجات متعددة من الفيروسات على مدى قرون من الزمان، انتهى أمرها إلى لقاح يتعامل معها، والفيروس التاجي ليس باستثناء من ذلك، وأن هناك ما يقرب من 70 شركة في العالم تسعى إلى إنتاج اللقاح المطلوب.
والمحصلة الواضحة هو أن على الدول أن تقرر ما إذا كانت ترغب في التعايش الكامل الحذر مع الفيروس، أم أنها قادرة على استمرار تعطيل المسيرة الاقتصادية والاجتماعية، وأحياناً السياسية، مع بقاء سؤال مفتوح هو إلى أي مدى يمكن لها ذلك، إذا كانت اعتى اقتصادات العالم مكانة وقدرة، ومنعة، باتت تتحدث عن خروج تدريجي، بل ومتسارع، من براثن الفيروس، بل وتأبى أن تبقى رهينة مختطفة للوباء والمصابين به، والذين في معظمهم يرفضون الالتزام بأبسط متطلبات الوقاية والحماية والحذر، ضمن منظومة من الجهل، والإهمال، والتواكل، والتجاهل.
التعايش مع الفيروس، والعودة إلى طبيعة الحياة الاقتصادية، واستعادة مجتمع الاعمال، المحلي والدولي، باتت هي مفتاح الخروج من أسر الفيروس، ومن تخوف بعض القائمين عليه، بل وهلعهم غير المبرر، في معظم الحالات، والذي أدى إلى اختطاف ورهن العديد من الافراد والاقتصادات والتعاملات التجارية المحلية والدولية، بل واعتبار المجتمع الدولي والمحلي رهينة مختطفة من قبل المتخوفين والمستكينين لتجنب المخاطر، المحسوبة وغير المحسوبة على حد سواء.
الاقتصادات العالمية الكُبرى باتت تتحدث بوضوح عن تعايش عالمي مع أزمة الوباء، وباتت تتجه إلى الخروج على كافة المستويات والقطاعات من منظومة الحجز الاحترازي التي وضعت نفسها فيه، على مستوى القطاعات الاقتصادية وعلى مستوى الافراد، وحتى على المستوى الاجتماعي السياسي.
على صنّاع القرار حول العالم اليوم أن يقرروا ما إذا كانوا راغبين في التعايش الوقائي مع الجائحة، أم أنهم قادرين، مادياً، واجتماعياً، بل وسياسياً، على تحمل متلازمة الهلع الصحي والتباطؤ الاقتصادي القاتل تدريجياً.
والعالم بعد كورونا، فعلياً، ليس هو ذاته بعدها. ولكن ذلك يعني بالضرورة الإعداد التام للتعايش الوقائي، الوبائي، الحياتي، والاجتماعي. فالتعايش مع الوباء أقل كلفة تماماً وبمراحل كبيرة، عن عدم التعايش معه، بل واقل كلفة من الركون إلى التركيز على تخفيض حالات الإصابة، اعتقاداً أن ذلك يعافي صحة المجتمع، في حين أنه في الوقت نفسه يؤدي إلى تدهور خطير في صحة الاقتصادات، وفي قدرات القائمين عليها، مادياً، وإنتاجياً، بل وتنافسياً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
لن يستطيع أي اقتصاد في العالم أن يحتمل متلازمة الهلع والتباطؤ، ولا حتى أعتى اقتصادات العالم مكانة، أو موارداً، أو منعة.
التعايش للعديد من الاقتصادات سيعني الاستمرار والاستدامة والمنعة، في حين أن الركون إلى الاغلاق، وترجيح البعد الطبي الوقائي، على حساب البعد الاقتصادي الإنتاجي، هو كارثة بلا أدنى شك.
الإصابات اليوم حول العالم هي ارقام، ليس أكثر. على أن ذلك ليس دعوة إلى اهمال الوباء، وإهمال تبعاته، ولكن هي دعوة للتعايش الآمِن، وما يتطلبه ذلك من جميع إجراءات الوقاية والحرص والحذر الصحي والوبائي.
وبخلاف ذلك، فإن الدول ستواجه، بطالة إضافية على تلك التي كانت قائمة أصلا، وبزيادة لا تقل عن 50% إلى 70% عما كانت عليه تلك المعدلات قبل أزمة الوباء، ثم سيضاف إلى ذلك عودة الكثير من العمالة الى الدول المُصدرة للعمالة، ما يعني إضافة جديدة لنسب وأرقام وحجم البطالة في تلك الدول من ناحية، وتخفيض كبير في تحويلات تلك العمالة والتي كانت تعد من أهم معززات الاستقرار النقدي فيها، من ناحية أخرى.
الدول الرشيقة، والحكومات الرشيقة، ستلجأ بالضرورة إلى وضع سبل التعايش المناسب مع الوباء، وستعمل على عودة كاملة للحياة الاقتصادية، بل وستسعى إلى الاستفادة من فرص عدة أوجدها تحدي الوباء، وخاصة في مجالات قطاعات الصحة، والدواء، والصناعات المرتبطة بها، وكذلك في مجالات قطاعات الصناعات الغذائية، والزراعة التقليدية، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بل والنقل الحيوي.
التعايش والخروج من أزمة الوباء عنوان المرحلة لدى الحكومات الرشيقة التي تعي فعلاً معنى أن الحياة بعد كورونا ليس هي ذاتها قبلها.