د. أنيس الخصاونة
تجربة التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد كما اصطلح على تسميتها تجربة جديدة واستثنائية في الأردن وعدد كبير من الدول، وقد فرضت أزمة كورونا على المنظومات التعليمية أن تجد بديلا وأحيانا رديفا للتعليم التقليدي عوضا عن البديل أو الخيار الأصعب وهو تعطيل التعليم ريثما تنقضي الأزمة أو يتم التوصل للقاحات للتعامل معها.
وفي الوقت الذي تفاجئت الجامعات الأردنية بالأزمة واضطرارها للتعامل مع التعليم الالكتروني بهذا الحجم ،فقد وجدت معظم هذه الجامعات نفسها ،وبتباينات واضحة، غير جاهزة وغير مستعدة تماما للانخراط في هذا النمط من التعليم الذي يستوجب بنية تحتية وتكنولوجية ،وتدريب مسبق لأعضاء هيئة التدريس والطلبة، وتوفر مستوى متقدم من القدرات لشبكة الانترنت ،إضافة إلى توفر الثقة وثقافة التعامل مع التعليم عن بعد وخصوصا في مجال الامتحانات والوظائف وغيرها.
في ظل معطيات هذه التجربة فقد قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي باستطلاع أراء الطلبة للوقوف على درجة رضاهم عن فاعلية التعليم عند بعد،حيث بلغ مستوى الرضا 54.4%، وعن الوسائل والتقنيات بنسبة رضا عنها بلغت 55.93%، والمحتوى الإلكتروني بنسبة رضا بلغت 52.56%، وفاعلية التدريس بنسبة رضا بلغت 56.83%، والتقييم بنسبة رضا بلغت 50.63%..أما نسبة الرضا عن فاعلية التدريس الإلكتروني لطلبة الماجستير فقد بلغت 70.54%، و 53.06%، لطلبة برنامج البكالوريوس، فيما بلغت 58.14% لطلبة الدبلوم المتوسط.
هذه الإحصائيات ينبغي أن تقرأ بعناية وينبغي أن لا يفهم منها بأي شكل من الأشكال أن التعليم الالكتروني فعال وأن رضا الطلبة يؤشر على جودة وسلامة وفاعلية هذا النمط من التعليم.
كثير من الآراء التي عبر عنها الطلبة تعكس الرضا عن العلامة وليس رضا عن جودة ورصانة وكفاءة التعليم .وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه تقدير الطلبة وتقييمهم للعملية التعليمية الصفية وليس الالكترونية يعتمد على انطباعات تتعلق بسهولة المادة وامتحاناتها وانخفاض متطلباتها وسخاء الأساتذة في العلامات وتغاضيهم عن الغياب وغير ذلك أكثر من جدارة المتطلبات العلمية وجودتها.
جودة التعليم في العالم لها مؤشرات كثيرة غير رضا الطلبة ووسائل قياسة لا تعتمد بشكل أساسي على انطباعات ومسوحات وتقديرات عامة بقدر اعتمادها على بيانات تتعلق بنسب الخريجين الذين وجدوا فرص عمل وكذلك مستوى تقييم أرباب العمل لكفاءة الخريجين إضافة لاختبارات فنية تتعلق بالمستوى العلمي والفني للخريجين في تخصصاتهم.
شهدنا تسابقا واضحا من جامعاتنا عبر وسائل الإعلام للإعلان عن تميزها أو تقدمها في التعليم الالكتروني وترتيبها مقارنة بالجامعات الأخرى ،والحقيقة التي علينا أن لا نغفلها أن التحديات التي واجهتها جامعاتنا في مجال التعليم الالكتروني كبيرة ،وأن تمكنها من خوض التجربة جاء نتيجة حاجة اضطرارية ملحة وليس اختيارا أو رغبة وبالتالي فهو يسجل لها أنها أسهمت في استمرار التعليم بدلا من ضياع عام دراسي على جيل كامل .
هذا الوضع ينبغي أن لا يدفعنا للإفراط والمبالغة بتفسير الإحصائيات واستخدامها بطريقة تؤشر ولو ضمنا إلى أن رضا الطلبة يعكس سلامة هذا التعليم ومتانته.
أعتقد أن التعليم الالكتروني يحتاج بالإضافة إلى بيئة تكنولوجية إلى ثقافة تقوم على الثقة والمصداقية والمسؤولية لدى الطلبة والكوادر التدريسية ،بحيث تكون الواجبات والامتحانات حقيقية وتقيس قدرات الطلبة موضع الامتحان وليس لذويهم وأصدقائهم كما أنها تستبعد استخدام ذات التكنولوجيا للالتفاف على أدوات التقييم والامتحانات.
التعليم عن بعد ربما يصلح للموضوعات والمواد النظرية والمفاهيمية التي تركز على إيصال معلومات ،حيث يمكن أن يكون أسلوب المحاضرة مناسبا.
التعليم عن بعد يصعب أن يكون وسيلة مناسبة لإكساب المهارات للطلبة وتعديل اتجاهاتهم وهذا ينطبق تقريبا على معظم التخصصات في الكليات العلمية وحتى بعض التخصصات الإدارية والاقتصادية والمالية.
من جانب آخر فإن التعليم الالكتروني يفقد الجامعة وكوادرها القدرة في التأثير القيمي والسلوكي للطلبة، ويقتصر أمر التعليم والحالة هذه على تخريج طالب يعرف في الحاسوب أو الكيمياء أو القانون دون أن نغرس لدية مهارات واتجاهات وأخلاقيات احترام القانون والالتزام به.
أعتقد بأنه كان من المفيد جدا أن تستطلع وزارة التعليم العالي آراء أساتذة الجامعات المتعلقة بفعالية التدريس والمحتوى العلمي وغيرها من الأمور المتصلة بالتعليم الالكتروني.
رضا الطلبة ينبغي أن لا يستخدم لأغراض سياسية أو يعتمد كمؤشر لجودة التعليم الإلكتروني فنحن ما زلنا في البداية وأعتقد أن التحديات التي واجهتنا في التعليم الالكتروني كبيرة وتستأهل الدراسة والتقييم الموضوعي من قبل فريق من المتخصصين بدلا من لي الأرقام لنستخرج منها ما لم تعكسه ولنقولها ما لم تقله فهل من مدكر.