عبد الهادي الفلاحات يكتب:العمالة الزراعية.. إستراتيجية إدارة الفرص
ينظر خبراء الإدارة بعقلية مختلفة إلى الأزمات التي تواجه الأعمال، فهم إلى جانب تفكيرهم بحلها، يؤمنون بتحويلها إلى فرص تقود للتطوير والريادة، ويتعاملون معها باستراتيجية إدارة الفرص التي تُقيّم واقع الحال، وترصد مخاطره, وتحدد تحدياته، ثم يستثمرونها بمخاطرة مدروسة تجمع ما بين حل الإشكال والإبداع في اقتناص الفرص.
يبدأ تعاملنا مع قضية العمالة الزراعية ذات التأثير الهام في مستقبل القطاع الزراعي وتطويره وتعزيز تنافسيته محلياً وعربياً وعالمياً بالاتفاق على أن السياسات والتعليمات الناظمة للعمالة قد أرهقت قطاعاً تجاذبته الظروف والتحديات، وحين غابت المعلومة الدقيقة، خرجت الحلول أنصافاً لم تنضج، تحمل معها ما لا راحة معه من المستجدات. إذ لم يصبح القطاع أفضل حالاً في ظل الظروف التي مرت بها المنطقة، ورغم ذلك تضاعفت رسوم الاستقدام، وكذلك رسوم تجديد التصاريح الزراعية، وأغلق باب استقدام العمالة،وذهب ما يزيد عن ثلث تكلفة الإنتاج للعمالة وحدها,فضاقت الحال بالمنتجين ,وارتفعت تكاليف إنتاجهم، وشرعوا في بذل جهدهم لحل الإشكاليات بدل التركيز على الإنتاج وتطوير التنافسية محلياًوخارجياً.
يأتي الحل لتحدي العمالة في القطاع الزراعي من خلال شراكة كاملة لا مكان فيها لأخذ القرارات بانفراد، تنطلق من الاتفاق على الأهداف والوسائل، وتصيغ ما يحققها، تتدارس شأن العمالة الزراعية بعقلية تكامل الأدوار بين المحلية والوافدة، وتستثمر الخصائص الجسمية والفنية والمهنية لكل منهما، وتضمن الوصول إلى أفضل النتائج بعد مراجعة شاملة لسياسات الاستقدام والإحلال وآلياتِ الرقابةٍ والضبطٍ، وتنهي حالات التسرب للقطاعات الأخرى، وتغلظ العقوبة على العامل وصاحب العمل إن خالفا، وتضمن حقوق جميع الأطراف، وتحقق استمرارية العمل والإنتاج. مؤكدين أن فكرة إحلال العمالة الأردنية محل العمالة الوافدة في القطاع الزراعي، مبادرة مقدرة في هدفها سامية في غايتها، تحتاج إلى خطة خمسية ترسخ المهارات والمهمات، وتدرك الفرص وتعي المعيقات، عبر تأسيس شركة متخصصة للعمالة الزراعية تضمن استدامة الأعمال وترعى حقوق العاملين.
ينبغي علينا اليوم في ظل أزمة جائحة كورونا انتهاج استراتيجية تمكّن الشركاء من النظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، وإيجاد الآليات التي تعبر بنا جميعاً نحو الحل، كدراسة توسيع نمط الإستقدام من دول أخرى تمتلك تجارب مختلفة في العمليات الزراعية، والبحث عن عمالة وافدة تخفض كلف الإنتاج، تضبطها آليات الرقابة الفاعلة، يصحبها إدخال المكننة في العمليات الزراعية، ويدعمها للتحول نحو العالم الرقمي، في دراسة شاملة لتطوير عقود عملها، ودراسة لتكاليف رسومها استقداماً وتجديداً لتصاريحها، لتعود كما كانت قديماً لا تتجاوز المئة دينارً إلا قليلا. ملتقطين الرؤية الملكية في التشديد على أهمية القطاع الزراعي وقدرته على المساهمة بصناعة المستقبل محلياً بتوفيره للأمن الغذائي، وتمكين شبكة أمان للمجتمع عبر وظائفه الدائمة والموسمية، وخارجياً عبر تنافسية صادراته الزراعية، وبما يسهم في تعزيز هويتنا الوطنية الأردنية، وقد أمسى العالم اليوم مختلفاً عما سبق، مستثمرين فرصةٌ سانحة تستوجب علينا العمل جميعاً بالشراكة والإيمان وحب الوطن.