د. صبري الربيحات يكتب: على طريق النهضة الزراعية

79

من الصعب أن يتخيل أحدنا أن بلدا ينتج المواد الأولية للأسمدة التي يحتاجها العالم الزراعي لا يهتم بإجراء أبحاث على التربة الأردنية ولا ينتج عشرات الأنواع من الأسمدة المناسبة لكل كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في الأردن. مثل هذه الأهداف لا تظهر أولويات على قوائم اهتمامات الشركات العملاقة القائمة على الأراضي الأردنية وتصدر البوتاس والفوسفات الى الهند والصين وكوريا والعديد من بلدان العالم.
في الكثير من القرى والبلدات الأردنية، يشكو المزارع الأردني من قلة العناية والاهتمام، فلا آليات زراعية ولا إرشاد زراعيا ولا أحد يرشدهم الى نوعية البذور المناسبة، وفي كل عام يحاول بعض من بقي متعلقا بالنشاط الزراعي أن يبذروا الحبوب ليفاجأوا مع مرور الأشهر أنها لن تستكمل دورة النمو، فلا يعرفون إذا كان ذلك بسبب قلة الأمطار أم عدم ملاءمة البذار أو أن ذلك عائد الى إنهاك التربة وحاجتها الى أسمدة تزيد في خصوبتها وتحسن ملاءمتها للبذور.
هذه الأسئلة والافتراضات معلقة بانتظار الفتوى الزراعية من الكوادر التي تنتشر على امتداد مساحة البلاد بلا أثر يذكر على نوعية الزراعة والتصدي للهموم والأوجاع التي تؤرق المزارع الأردني. حوران والبلقاء وشيحان والشوبك لا تنتج مجتمعة أكثر من 3% من حاجات الأردن من القمح والشعير . هذه الحقيقة مؤلمة اذا ما عرفنا أن الأردن كان يجد صعوبة في تسويق عشرات آلاف الأطنان الزائدة على الحاجة سنويا.
في هذا العام هطل على الأردن ما يزيد على 150% من المعدل المطري السنوي وهطل على الطفيلة 331 ملم3، إلا أن إنتاج الحقول من القمح والشعير متواضع فأين تقع المشكلة؟ هل هي في البذور؟ أم في التربة؟ أم في تواضع جهود الإرشاد الزراعي أو غيابها؟ أم في غياب الاهتمام بالأسمدة أو عدم توفر أسمدة مناسبة؟ أم ماذا؟
تجدد اهتمام الدولة بالزراعة يبعث على الأمل في أن يحظى القطاع بمزيد من الرعاية والتنظيم. ويتطلع الجميع الى أن ترى الأسابيع والأيام القادمة مولد استراتيجية زراعية تقود الى نهضة زراعية تحد من الاعتماد على الغير وتعزز مستويات الإنتاج للسلع الأساسية التي يحتاج لها المستهلك الأردني أولا وتعيد الاعتبار لهذه المهنة التي ترفد الاستقرار وتحقق الأمن وتدعو الى التعاون والتكافل وتحمي المجتمع من ممارسات الاستغلال والمنافسة الشرسة والاحتكار.
في الأردن الذي يتمتع بتنوع طبوغرافي متنوع وتباين مناخي فريد وبالرغم من شح المياه، هناك فرص كبيرة لتطوير الزراعة ومراجعة المسيرة الزراعية الأردنية وتصحيحها بما يلبي حاجات السوق المحلي ويرفع من جدوى وكفاءة النشاط ويزيد من إسهامات الزراعة في توفير الدخل وتحسين نوعية الحياة والإسهام في التخفيف من البطالة.
منذ عقود وقبل أن تتطور الزراعة في بعض البلدان العربية كان المزارع الأردني سباقا في زراعة بعض أنواع الخضار والفواكه الصيفية وإنتاجها في الشتاء لتصل الى الأسواق العربية المجاورة قبل أن تتمكن هذه الدول من الإفادة من التكنولوجيا الزراعية التي قادت الى تطور إنتاجها وتحول البعض منها الى استيراد المنتجات من مصادر عربية وآسيوية أخرى.
إضافة الى الحمضيات والموز والخصار والتمور التي ارتبطت بالأغوار والزيتون الذي يكسو معظم بساتين القرى والأرياف، شهد الأردن نشاطا زراعيا متزايدا منذ نهايات القرن الماضي؛ حيث توسع السكان في امتلاك الأراضي وتأسيس مزارع جديدة للزيتون والعنب واللوزيات والصبر والتفاحيات في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، واتجه البعض الى إنتاج البطيخ والشمام في وادي عربة ومناطق جرى استصلاحها مؤخرا.
في الوقت الذي ازداد فيه إنتاج البلاد من بعض أصناف الخضار والفواكه، تضاءل إنتاج البلاد من الحبوب التي لا تزال السلعة الاستراتيجية والمادة الغذائية الأولى التي يحتاج لها المواطن وتدخل في تجهيز الأعلاف للمواشي والطيور التي توسعت البلاد في تربيتها.
على الأردن التفكير جديا بما يمكن عمله لإحداث النهضة الزراعية والانتقال من طور التنظير الى العمل الجاد الدروس، ومن غير المقبول أن تبقى المؤسسات والقطاعات تعمل بشكل منفصل ومغيب عن المشهد الأردني فبذلك ظلم للبلد وللمزارع وللأجيال.

اترك رد