عندما يتحول الرزاز إلى محلل سياسي
أ.د حسن البراري
في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية نُشرت اليوم، انضم رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز إلى معشر المحللين السياسيين ، مطلقا تحذيرات تفيد بأن من شأن شروع إسرائيل في تنفيذ خطة الضم أن يزعزع الاستقرار الإقليمي. ربما فات الرزاز أن إسرائيل تعرف جيدا ما يمكن أن يترتب على خطوة الضم، لكنني كنت أنتظر من رئيس وزراء صاحب ولاية عامة كاملة وغير منقوصة أن يشهر صيغا وبدائل وخيارات لدى صانع القرار الاردني ترفع الكلفة على الكيان المحتل الذي يعبث بمصالح الأردن ، وليس الاكتفاء باطلاق التحذيرات فقط .
الحديث عن دولة واحدة ثنائية القومية وديمقراطية يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات (وهذا ما قصده الرزاز عندما قال بأن حكومته تستحسن مثل هذه الخطوة) هو حديث رومانسي لا يبدو أنه يستند إلى فهم حقيقي للبنية الذهنية لصناع القرار في تل أبيب. ففي كل المنعطفات التاريخية بآخر مئة عام كان موقف الصهاينة وبصرف النظر عن تلاوينهم السياسية والايدولوجية ينطلق من قاعدة يهودية الدولة. بمعنى أن الإسرائيليين – الوسط اليهودي على وجه التحديد – لن يقبلوا بحل الدولة الواحدة لأن من شأنه القضاء على يهودية الدولة. واللافت أن اليهود لا يمانعون التخلي عن جزء مما يعتبرونه “أرض إسرائيل” لقاء الحفاظ على نقاء الدولة ويهوديتها. وهنا لا نستعمل لفظ يهودية للإشارة إلى تديّن الدولة واخضاع قوانينها لأحكام الشريعة اليهودية (الهلاخاه) وإنما للإشارة إلى الاعتبار الديمغرافي، بمعنى عرب مقابل يهود.
مؤخرًا طل علينا بعض الساسة الأردنيين ليكشفوا لنا عن وعيهم المزيف بديناميات الصراع مع إسرائيل. فإسرائيل ستبقى دولة معادية لنا ، لان مشروعها ينطوي على سعي لالغاء وجودنا كيانا وهوية . لذلك اقول دائما ان مشكلتنا تزداد تجذرا كلما يتم تكليف التكنوقراط في إدارة شؤون الحكم ، وهم ليسوا منغمسين بتجارب سياسية ولا معرفة عميقة بالآخر.
و يبدو لي أن الكثير ممن استلموا مواقع حساسة في بلادنا غير مدركين لكنه وصيرورة الصهيونية ومشروعها الكولونيالي الاحلالي والذي يستند إلى ركيزتين لا ثالث لهما: حيازة الأرض وطرد السكان. وأي تحرك لا ينطلق من هذه الفهم هو قاصر عن ادراك ما ينتظر الأردن في السنوات القادمة.فما حاجتنا الان لخلط الاوراق وطرح سيناريو عقيم وغير منتج غير السيناريو المتوافق عليه اردنيا وعربيا ودوليا وهو حل الدولتين ، الملك و منذ تسلمه لسلطاته الدستورية انبرى في محاولة اقناع العالم كله بجدوى هذا الخيار وعدالته ، والان وبعد ان تنامت القناعة لدى الغرب والشرق بان هذه هي الصيغة الوحيدة القابلة للتطبيق والقادرة على حل الصراع العربي – الاسرائيلي ، يأتي رئيس وزراء الاردن ليطرح صيغة عقيمة تخلط الاوراق وتعيدنا الى المربع الاول ..
وهل يمكن ان نفهم من تصريحات الرزاز بان الموقف الرسمي الاردني قد تغير، ونأخذ ما قاله على محمل الجد فعلا؟ ام انه في هذه المقابلة اخذ صاحبنا يتقمص دور المفكر والمحلل السياسي، على نحو نسي فيه انه يتحدث للغارديان بصفته رئيس وزراء المملكة الاردنية الهاشمية.
لا ننتظر من رئيس حكومة أن يحذر إسرائيل ، بل ليقول لنا ما في جعيته من أوراق لرفع كلفة التعنت الاسرائيلي،لان المستهدف في نهاية المطاف هو الأردن (الضفة الثانية للنهر) واسرائيل لا تدفع أي ثمن في علاقتها مع الاردن وهي ترمي بكل شيء بعرض الحائط.
باختصار، الخطة الإسرائيلية التي يتوافق عليها الصهاينة هي الاستيلاء على كل ارض فلسطين من دون سكان، بمعنى أن الخطة غير المعلنة لحسم الصراع – وليس حله – هي تهجير الفلسطينيين إلى شرق النهر. أي استراتيجية أردنية لا تنطلق من هذه الفرضية ستكون عاجزة وقاصرة عن الدفاع عن مصالح الأردن الحيوية.
النهج الرسمي الذي يمثله الرزاز ليس نهجًا مناسبا للدفاع عن الأردن. فهؤلاء ربما لا يعرفون أن أحد أساليب تطويع الأردن في قادم الأيام هو تعميق اعتماديته الاقتصادية ومشاكله المالية.
اللافت أن العديد من رؤساء الوزراء الأردنيين هم صندوقيين، بمعنى أنهم يؤمنون أيدولوجيا – وفي بعض الأحيان وظيفيًا – بما يمكن أن يقدمه صندوق النقد أو البنك الدولي لإنقاذ الأردن من أزماته الاقتصادية غير المنتهية. لم ينتبه أحد منهم إلى أن المستجير بعمرو (المؤسسات المالية الدولية حتى لا يساء الفهم) عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار.