المجالي يكتب: القضاء ما بين الاستقالات وحرق السيارات
كتب العميد المتقاعد هاشم المجالي .
………
إن العدل هو اساس الحكم ، ولن يتحقق الأمن والازدهار إلا إذا تحقق العدل ، ومن ثم تتطور الدولة وتقوى أركانها ويقوى شعبها .
العدل لا يرتبط بالمحاكم والقضاة فقط وانما أيضا يجب أن يكون متواجدا في كل المؤسسات العامة والخاصة، ويجب أن لا تنخفض مستوى العدالة فيها عن نسبة %50 ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته سواء كان ذلك بالعمل أو بالمنزل ، ولكنه هو الأساس الذي يجب أن تعتمد عليه الدول والشعوب في تطورها وتقدمها وأن يكون هناك استقلالية للقضاء ولا يجب أن تمارس عليه اي ضغوط نفسية او سلطوية و ترهيبية .
كلنا طالعنا بالآونة الأخيرة مشاهد لم نشهد انها قد حصلت عندنا بالماضي ولكنها كلها تعطي مؤشرات خطيرة ويجب علينا الوقوف عندها ومعرفة اسبابها وتحليلها ثم معالجتها.
فمثلا عندما يتم الإعتداء على الممتلكات الخاصة للقضاة (حرق سياراتهم في كراج عماراتهم ، او ارسال رسائل تهديدة لهم ) وهم لا زالوا قضاة عاملين في الجهاز القضائي ، وأن يكون مهددينهم أشخاص خارجين على القانون وذوي اسبقيات ، فإن هذا الإعتداءات او التهديدات تعد اعتداء على الوطن بأجمعه ولا يجب ان يتستر عليها او أن لا تلقى الإهتمام اللازم من قبل اعلى السلطات الثلاث ، فالقاضي الذي تم حرق سيارته لم يلقى اهتماما إلا من قبل مدير الأمن العام فقط الذي طلبه لمكتبه وأشعره بان جهاز الأمن العام سوف يلقي القبض على هؤلاء الفاعلين ويحقق بالقضية ويعطيها أقصى درجات الأهمية ، لماذا لم يتم طلبه من قبل رئيس الوزراء او رئيسي السلطة القضائية والتشريعيه حتى يكون هناك ردع نفسي لكل من تسول له نفسه بالاعتداء على الجسم القضائي وموظفينه .
قد نقبل ونتحمل ان يكون هناك فسادا في بعض نواحي السلطة التنفيذية او التشريعية ويمكن لنا ان نتعايش معه أحيانا، ويمكن أن تستمر المسيرة أيضا ، وقد نتحمل بعض الإهمالات والتقصيرات من قبل السلطة التشريعية في أداءها لبعض من واجباتها ومع ذلك قد تستمر المسيرة أيضا .
ولكن ان يكون هناك تشوهات او غموض أو تغولات واعتداءات على السلطة القضائية فإن هذا شيء خطير جدا جدا ولا يمكن أن يمر مرور الكرام واعتباره أمرا عاديا ، ولنعرف أن معظم الخلفاء وزعماء الدول الخالدين بذكراهم الطيبة وكانوا يختارون اولا أعضاء الجسم القضائي الذي منه يتم بث السكينة والطمأنينة للشعوب وأن الحاكم عادلا ويرغب بتحقيق العدالة . ولكن الذي لا يمكن أن نتحمله او نقبله هو ان يهتز هذا الجسم من خلال التعدي عليه و على استقلاليته اوترهيب أعضاءه .
القضاء الاردني لم يشهد مثل هكذا أحوال في السابق ولم نعهده عنها في العصور اللاحقة ، فمثلا ان يعهد في إصلاح منظومة القضاء وتطويرها الى أشخاص قد شابتهم قضايا الفساد أو أن يكون بينهم وبين جهاز القضاء أي خصومات قضائية وشخصية.
ويجب علينا أن لا ننسى أن الأردن قد تعرض الى ما يسمى بالمقبرة القضائية التي أدت الى احالة مجموعات كثيرة من جهابذة القانون والقضاة للتقاعد ، لأنهم قد قالوا للمتغولين لا لتعليماتكم ولا لتوجيهاتكم ونحن مسؤولون أمام الله أولا وامام الشعب ثانيا والملك ثالثا .
إن كل الأحكام القضائية دائما تصدر بإسم جلالة الملك وأي اساءة لهذا الجسم القضائي فإنه يعتبر اساءة مباشرة الى مقام جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه والذي اتمنى من مستشاريه ان يوضحوا له حجم هذا الخطر إن استمر وتجاوز خطوطه الحمراء ..
اللهم إحفظ وطننا وقيادتنا وشعبنا وقضاتنا الذين يحكمون بالعدل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .