لبنان الذي خسرناه

72

حماده فراعنه

لبنان خسارة لشعبه، للعرب، ولكل الذين يؤمنون بالديمقراطية والتعددية وحق الفرد في حرية الاختيار
لبنان في الوقت الذي كان تحكمه صناديق الاقتراع، كانت النظم العربية على مختلف ألوانها ومسمياتها وأحزابها اليسارية والقومية والإسلامية، ترى الانتخابات على أنها شكل من أشكال الافكار المستوردة من الغرب الرأسمالي الاستعماري الذي يفرض علينا خياراته وشكل أنظمة حكمه التي لا تتفق وموروثاتنا القيمة بالشورى والوراثة وحكم العسكر.

لبنان الذي كانت تحكمه التعددية، كانت الأنظمة العربية تحرم الكردي تعلم لغته، وتسمية أولاده بالكردية، وتغيير أسماء قراه وشوارعه بأسماء عربية، ونفس المنطق الأعوج كانت تسود نفس المعاملة العنصرية على الأمازيغ والأفارقة.

لبنان التوازن كان يُقارن بأنظمة التخلف الرجعية، وادعاء التقدميين المتسلطين على رقاب شعبهم، بالقمع والبطش وحرمان الإنسان في التعبير عن قوميته غير العربية، وديانته غير الإسلامية، ومذهبه غير السني، كان لبنان نموذجاً للعصر وللمستقبل.

بيروت عاصمة لبنان والصحافة الحرة غير المقيدة، مقارنة بالصحف السوداء التي لا تبشر ولا تذكر إلا عظمة: الزعيم والقائد والرئيس والمبشر الموصوف على أنه فلتة زمانه الذي يحكم، ولم تلد الأمهات مثيلاً له، وربما لن تلد من يستطيع أن يكون بديلاً عنه.
قيادات لبنان على مختلف تكويناتها وتلاوينها، من كميل شمعون، صائب إسلام، أنعام رعد، عبدالله اليافي، سليمان فرنجية، بيار الجميل، انطون سعادة، رشيد كرامي، كمال جنبلاط، رفيق الحريري،وليس آخرهم محسن إبراهيم الذي كان يساوي نصف دسته من زعماء القوميين والشيوعيين والإسلاميين في العالم العربي، كان هؤلاء من العابرين في حضورهم وتأثيرهم خارج حدود لبنان.

لبنان الذي يُطلق على جيشه وشعبه أنه لا يقاتل بل «يدافع مديفعه» هو الوحيد، نعم الوحيد الذي هزم العدو الإسرائيلي، وفرض عليه الرحيل والهرولة هروباً من جنوب لبنان بليل ما فيه ضوء في أيار سنة 2000، والوحيد الذي أجبر مئات الألاف من الإسرائيليين أن يخرجوا إلى ساحة رابين في تل أبيب مطالبين بالانسحاب بدون التوصل إلى كامب ديفيد ووادي عربه وأوسلو.

لبنان الذي يُطلق على رئيس مجلس نوابه «دولة الرئيس» مقارنة مع أقرانه من رؤساء مجالس النواب في العالم العربي، لا يصلون لرتبة «عطوفة» وقليل منهم «معالي»، لتصغيرهم لأنهم لا يملكون الحق بالتمثيل والتعبير، وأنهم ليسوا مصدر السلطات، وممثلي الشعب الذي يحكم بواسطة مجلسه النيابي، الذي يملك حق منح الثقة أو عدمها عن الحكومة، فالسلطة مقتصرة على السلطة التنفيذية، والباقي مجرد ديكور أمام العالم.

لبنان الذي أنجب الشعراء والكتاب والقيادات والفرح والعصرنة والتعددية وانفرد عن سائر الأنظمة بانتخاب رئيس الدولة، يجوع الآن، دولة فاشلة، عملته بلا قيمة، شوارعه يسودها الفقر والحاجة، لا تضامن معه، لا بواكي على خرابه السياسي والاقتصادي، وحينما تذكره يقولون لك، هو أفضل حالاً من خراب سوريا، ودمار العراق، وفشل ليبيا، وصراع اليمنيين بلا جدوى.

لبنان عنوان الخسارة بسبب التخلف العربي، ونكران الجميل، لبنان الصغير بحجمه، كان كبيراً بحضوره ومكانته ودور قياداته خارج حدوده الضيقة، لبنان كان عابراً للحدود، فقتلوه.

اترك رد