التناول الإعلامي للمشهد الكارثي
د. ماجد الخواجا
جاء التطور الهائل في وسائل الاتصال وفي نشر الخبر وفي نقل الحدث من موقعه بشكل مباشر، ليعمل على بلبلة الممارسات والفهم الإعلامي والوعي الشعبي، بحيث لم يعد الفرد يميز بين ما يمكن نشره وما ينبغي التكتم عليه، وتسبب هذا التداخل وتشوه الفهم إلى مضاعفات ومخاطر ترتب عليها خسائر بشرية ومادية ومعنوية في العديد من الأحداث التي وقعت.
لقد أظهرت الصور والفيديوهات التي يتم تداولها، لتبين خطورة السلوك الاعلامي وسذاجة الناقل للصورة والخبر، بما يخدم غايات الطرف المعادي دون قصد ودون معرفة. كما أن نشر الفيديوهات والصور للضحايا وللشهداء وربما بشكل متعسف وغير انساني خاصة عندما تكون هناك اصابات واضحة ودماء وأشلاء، هذه كلها تعمل على هدر كرامة الضحية ، وتعمل على تلوث الوجدان الانساني نتيجة الألفة مع مثل هذه الصور الفظيعة. ناهيك عن أن المجرمين قد يستغلوا ويستفيدوا من تلك المنشورات في زعزعة الثقة لدى المواطنين وفي نشر الذعر من قوتهم الزائفة وامكانياتهم الإجرامية.
لقد دارت حوارات ونقاشات عامة حول المسؤولية عن تناول وعرض صور الفظاعة. وكان قد بدأ مثل هذا النقاش، حول حدود وضوابط تمثيل صور الفظاعة، حبث طرحت تلك المقالات أسئلة تسترعي الاهتمام من قبيل: هل هناك معايير وضوابط لإعادة نشر صور الضحايا، أم يجب إباحتها وإتاحتها؟
تعني عبارة «صورة الضحية»، مشاهد الجريمة الثابتة والمتحركة الواقعة على ضحايا، وصور ما نتج عن الجريمة من ضحايا مهما كان الشكل الذي تظهر عليه الضحية. كما تعني عبارة «عرض صورة الضحية»، كل عرض بشكل متاح للعموم بدون قيد وقابل للاستعادة والحفظ وإعادة العرض والمعالجة لصورة الضحية أو أي جزء من جسد الضحية، سواءً سينمائياً أو فوتوغرافياً أو برمجياً، ومهما كانت وسيلة العرض سواء عبر الإنترنت أو في قواعد بيانات أو في صالات السينما أو في المطبوعات الورقية أو على أفيشات تُحمل في مظاهرات أو في معارض أو في مفاوضات أو في أروقة منظمات حكومية أوغير حكومية أو أمام أي مباني حكومية.
لقد أثبتت الوقائع ضرورة إعادة قراءة وتحليل ما يترتب عن هذا الهوس والإسهال الإعلامي الذي أثبتت مجريات الأحداث أنه يضر أكثر بكثير مما يمكن أن ينفع.
إن صورة الضحية تتشابه في مضامينها مع لائحة حقوق وخصوصية المريض، حيث لا ينبغي عرض أو نشر أية معلومات أو بيانات عن المريض وطبيعة مرضه وما يرتبط به لأية جهة كانت إلا بعد الحصول على إذن مسبق وخطي من قبل المريض نفسه أو من يمتلك صلاحية الموافقة على ذلك.
ولا تدخل أحقية النشر لمثل هذه الخصوصيات في باب حرية التعبير والشفافية وحق الحصول على المعلومات، كونها مؤطرة بجانب له حساسيته والمتمثل بانتهاك الخصوصية الإنسانية وهي حق من حقوق الإنسان المدرجة في المواد والتشريعات الناظمة لحقوق الإنسان العالمية.
إننا بحاجة إلى وعي وثقافة وحس أمني شعبي يقوم على دور الظهير والداعم والسند لجنود الوطن في الملمات والشدائد، وهذا لا يتأتى بالطريقة التي يتم فيها التعاطي مع الحدث ضمن التناول الإعلامي السائد له.
ليرحم الله الشهداء والجرحى والمصابين والمكلومين واحترام كرامتهم وخصوصيتهم ..
وحمى الله هذا الحمى..