مائة عام على دخول اللنبي للقدس 1917 وقرار ترامب 2017 القدس عاصمة ابدية لدولة الكيان… هل معركة هرمجدون المزعومة دنت لتعلن تباشير ظهور المسيح الثاني للارض؟!
أحمد عبد الباسط الرجوب
بلادنا العربية كانت ولا تزال محط الاقدار في رحى المعارك بين الدول المتصارعة وبالتحديد فلسطين مهد الرسالات وبوابة السماء ، ومن التاريخ وللتذكير عندما دخل القائد الانجليزي اللنبي (1861 – 1936 ) القدس في 6 كانون الاول / ديسمبر عام 1917 واخراج القوات العثمانية منها حيث قاد القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية في الاستيلاء على فلسطين وسوريا عامي 1917و1918 وحينها قال كلمته المشهورة لقد انتهت الحروب الصليبية ، وها هى الظروف تعيد نفسها ولكن هذه المره من واشنطن حيث وشح الرئيس الامريكي تاجر العقارات قرارة التاريخي بتاريخ في 6 كانون الاول / ديسمبر عام 2017 باعتبار القدس عاصمة لدولة لكيان الصهيوني… لماذا اتخذ هذا القرار والقدس محتلة منذ العام 1967 ؟ لماذا اتخذ ترامب قراره بعد سنة من رئاسته للبيت الابيض؟ … اعتقد بأن ذلك أتى وعلى خطى وتوجيهات الحركة المسيحية الصهيونية والتي ترى في ذلك نبؤات القساوسة الانجيلين وعدا من الله للالفية الثالثة وظهور المسيح الثاني على اتون معركة هرمجدون المزعومة فقد اقدم ترامب على اتخاذ هذا القرار المشؤوم.
نتعرض في هذا المقال التحليلي لرؤية نشوء الحركة الصهيونيّة مع حركة الإصلاح الديني في أوربا في القرن السادس عشر، ورغم إعتماد حركة الإصلاح الديني علي الأدبيات اليهوديّة إلا أن إيمان اليهود بالمشروع الصهيوني وإقامة دولة يهوديّة علي أرض فلسطين كان لاحقاً علي إيمان المسيحيين البروتستانت به، فالصهيونيّة إذاً، وإن كان جانبها العقائدي – الأيديولوجي مستمد من تعاليم اليهود، إلا أن تحوله إلي حركة ومشروع كان عملاً مسيحياً بالأساس.
لقد حمل المهاجرين من البلاد الاوروبية إلى الولايات المتحدة الأميركية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا، ومنذ بداية تأسيس الولايات المتحدة الأميركية في القرن السابع عشر لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية هذه الدولة وسيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين وفي سياق هذا الاطار فقد آمنت المسيحية الصهيونية Christian Zionism “قبل تأسيس دولة إسرائيل” بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام.
(1)
الصهيونية المسيحية ببعديها السياسي والأيديولوجي
أعطيت الصهيونية المسيحية بعدها السياسي الأيديولوجي للمرة الأولى في بريطانيا عام 1655عندما دعا أوليفر كرومويل رئيس المحفل البوريتاني بين عامي 1649و1659 لعقد مؤتمر يسمح لليهود بالعودة للسكن والإقامة في المملكة المتحدة بعدما تم نفيهم منها بقرار من الملك إدوارد الاول عام 1290حيث تم في هذا المؤتمر خلق صلة ما بين أفكار الصهيونية المسيحية والمصالح الإستراتيجية لبريطانيا ، ودفعت كرومويل للإيمان باكراً بوجوب توطين اليهود في الأراضي المقدسة في فلسطين .
الصهيونية المسيحية هو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة اسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لقدوم المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الامريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل ، ومما تجدر الاشارة اليه بأن مصطلح المسيحية الصهيونية لم يتم الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين Protestant Evangelical، ولهذه الحركة ما يقرب من 130 مليون عضو في كل قارات العالم وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم “مسيحيين متصهينين”. وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية (Millenarianism)، والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفية.
(2)
الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة
لاقت أفكار المذهب التدبيري رواجاً في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بفضل جهود لاهوتيين بروتستانت هما ( دوايت مودي موجد معهد مودي للدراسات الكتابية في شيكاغو وسكوفيلد وويليام بلاكستون) ، فقد أعطيا قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية المسيحية، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية خصوصاً والاهم ” القدس الشرقية ” والمواقع الدينية التي تحتضنها وبالنسبة للتدبيريين فأنه باحتلال اسرائيل للقدس والضفة الغربية قد تحققت نبوات الكتاب المقدس .
يعتبر عام 1979 عاماً استثنائياً بالنسبة لتاريخ الصهيونية المسيحية، فبعد قرن من تقرب هشلر – (وليام هشلر 1845- 1931 كان من أبرز الدعاة لتوطين اليهود في فبسطين وإقامة وطن لهم فيها، وجمع الأموال لمساعدة اليهود علي الاستيطان في فلسطي) – تقرب هشلر من تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية وبدء الدعم المسيحي الاصولي المباشر لإقامة الدولة اليهودية، أنشأ القس جيري فالويل في الولايات المتحدة منظمة الاغلبية الأخلاقية وهذه المنظمة تضم لجان سياسية لمسيحيين ذوي توجهات محافظة من أهدافها العمل على التعبئة والدعاية لانتخاب المرشحين المحافظين. ومع بلوغ عدد أعضائها الستة ملايين عضو أصبحت المنظمة كتلة انتخابية قوية عزي إليها فضل نجاح رزنالد ريغان في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1980 ينص أحد المبادئ الأربعة التأسيسية لمنظمة الاغلبية الأخلاقية على ” دعم إسرائيل والشعب اليهودي في كل مكان “… ففي عام 1980 صرح فالويل بأن ” الله بارك أمريكا لأن أمريكا باركت اليهود… فإذا أرادت هذه الأمة أن ترى حقولها محافظةً على بهائها وإنجازاتها العلمية محافظة على ريادتها وحريتها محمية، فعلى أمريكا أن تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل”… حل جيري فالويل منظمة الاغلبية عام 1989 ولكن المسيحيين المحافظين حافظوا على دورهم كداعمين لإسرائيل رغم افتقارهم لوجود مؤسسة قوية رسمية لدعم الدولة العبرية بقوة المنظمة المذكورة آنفاً.
ولتأطير هذا الدعم أسس الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة عدة مؤسسات هدفها المعلن ، أبرزها “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” وصفها القس جون هاجي (12 ابريل 1940) راعي الأبرشية – باي تاون تكساس الولايات المتحدة ، قس انجيلي متطرف معادي للعرب كان قد أسس منظمة دينية بغرض :
١. دعم “إسرائيل” وتشجيع حروب أمريكية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
٢. التشجيع على مساندة إسرائيل ، ومؤسسات أخرى مثل “مؤتمر القيادة المسيحية الوطني من أجل إسرائيل” و”ائتلاف الوحدة من أجل إسرائيل” و”السفارة المسيحية العالمية في أورشليم” وغيرها كما ويذكر بأن هاجي ” الابرز في التطرف لدعمة للكيان الصهيوني ” من حيث :
-اشد المعارضين لاتفاقيات سلام بين العرب وإسرائيل تشمل رجوع القدس أو أراضي عربية للعرب بحجة أن ارض ” إسرائيل ” هي ارض أعطاها الرب لليهود.
– دعم القس هاجي مرشح الحزب الجمهوري للبيت الأبيض جون ماكين.
– كان هاجي قد روج سابقا لحرب عالمية ثالثة تنطلق من الشرق الأوسط، وذلك في كتاب له دعا فيه الولايات المتحدة للتحرك لدعم “إسرائيل” عسكريا
لا يقتصر دعم الصهاينة المسيحيين لإسرائيل وللقضية اليهودية على الناحية السياسية فقط، فهم يقدمون لها العون بكل الأشكال المتاحة لهم خصوصاً من الناحية المالية. فقد قدم هؤلاء تبرعات كبيرة في سبيل المساهمة بنقل يهود دول الاتحاد السوفياتي وإثيوبيا إلى إسرائيل.
(3)
معركة هرمجدون وظهور المسيح الثاني
وبالرجوع الى ما يعتقد به التدبيريين فنحن نعيش اليوم في الحقبة السادسة أو ما يسمى ” دور الكنيسة والنعمة ” بانتظار حلول الحقبة السابعة والأخيرة برجوع المسيح للأرض لتأسيس حقبة الالفية من حكمة وهكذا تفصل التدبيرية بين مفهومي إسرائيل والكنيسة ، فبالنسبة للمسيحية التقليدية الكنيسة كما يقول أغسطيوس – هي وارثة الوعود التي أعطاها الله لإسرائيل (القديس أغسطيوس 13 نوفمبر 354 – 28 أغسطس 430 هو كاتب وفيلسوف من اصل نوميدي – لاتيني ولد في طاغست حاليا سوق أهراس ، الجزائركما ويعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية ) – فهي بذلك إسرائيل الجديدة التي تسعى بشوق لبلوغ أورشليم السماوية، ففي هذا المفهوم تصبح أورشليم أو أرض الموعد للمسيحيين ذات طبيعة روحانية أزلية لا صلة لها بأرض إسرائيل التاريخية، على عكس الصهاينة المسيحيين الذين يشددون على الفصل بين إسرائيل كشعب يهودي أو شعب الله على الأرض والكنيسة أو شعب الله في السماء، مؤكدين على التفسير الحرفي للكتاب المقدس حيث يفضي هذا بهم إلى نتيجة حتمية مفادها أن أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي، وأن نبوءات الكتاب المقدس التي أعلنت عن عودة “شعب الله” إلى أرضه قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين.فالتدبيريون لا يؤمنون بأن المسيحية أتت لتحل محل اليهودية بل أتت لكي تعيد لها عناصرها المفقودة، فبحسب فهمهم للكتاب المقدس يعتقدون بأن قيام إسرائيل عام 1948 كان الخطوة الأولى لعودة المسيح للعالم حيث سيخوض حرباً فيها ضد قوى الشر تسمى ” هرمجدون ” بين القدس وعسقلان في فلسطين التاريخية يُقتل خلالها ثلثي الإسرائيليين ويهتدي الثلث الباقي للمسيحية وبعد انتصاره يحكم المسيح العالم كملك لألف عام هذا ما يعتقدون بهم.
(4)
الخلاصة
بعد دراسة معمقة لهذا الامر الحساس فس كل ما قدمت له ، وفي غياب تام للباحثين وكتاب الرأي في عالمنا العربي والاسلامي فإن موضوع فلسطين واليهود قد عمل عليه القساوسة من عهد الملك ادوارد الاول في العام 1920 حيث باتت الرؤى تتجة نحو الالفية وعودة المسيح الثاني الى فلسطين وضرورة عودة اليهود اليها وهو ما انخرط في الوقوع تحت ارهاصاته بدء من الرئيس الامريكي ريغان ومرورا ببوش الابن الى تاجر العقارات ترامب ، وهنا فقد خلصت الى ما يلي:
1. حدث انقسام بين منظري المسيحية الصهيونية في القرن التاسع عشر ، وظهرت مدرستان، البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأميركية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية – وقد دعم هذا الفكر القس الأيرلندي جون نيلسون داربي والذي اشرنا له – وهو هدف الادارات الامريكية المتعاقبة واخرها قرار ترامب المشؤوم باعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة الكيان.
2. الترويج ” لشعب الله المختار ” والذي حمل لواءة حركة داربي من عدة قساوسة من أشهرهم داويت مودي الذي عرف بترويجه لنظرية “شعب الله المختار”، وويليام يوجين بلاكستون الذي ألف كتاب “المسيح آت” عام 1887 وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقرائته للتوراة في فلسطين.
3. بريطانيا كان لها الدور الاول في قضية فلسطين من منتصف القرن التاسع عشر وفي العام 1839 في نمو حركة المسيحية الصهيونية وكان عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري مسيحيا محافظا وعلى علاقة جيدة بصانعي السياسة البريطانيين زمن الداعمين على تشجيع عودة اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهيونية العالمية، وكان اللورد شافتسبري هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا “شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب”.
4. يعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح “الصهيونية المسيحية”، وعرف المسيحي المتصهين بأنه “المسيحي الذي يدعم الصهيونية”، بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو “الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح”.
وللمفارقة هنا بأن تيودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تيودور هرتزل.
النقطة التي يُثار الخلاف حولها دوماً هي موقف الدول التي تبنت هذا
المشروع الصهيوني المسيحي، وهل تبنته لدوافع عقائديّة بالأساس، تزاوجت مع مصالحها الإستراتيجيّة، أم لدوافع سياسيّة إستراتيجيّة مصلحيّة صرفة وجدت في الحركة الصهيونيّة مسوغاً لإبعاد اليهود عن أوربا وشلّ العرب من خلال زرع كيان إستيطاني في قلب منطقتهم يكون بمثابة قاعدة للتمدد الإمبريالي الغربي… وهنا برأيي الشخصي ارجح السبب الأول، بل واذهب إلي ما هو أبعد من ذلك أنه عندما كان يتناقض ماهو عقائدي مع ما هو مصلحي، كانت الدول الغربية تقدم العقائدي.
وخلاصة الكلام الذي يجب ان تتنبه له امتنا الاسلامية والعربية هو ما تلتقي عليه الحركتان الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية حول “مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم”. لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين بدعوة أنها ” أرض اليهود الموعودة ” ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم ، ونحن المسلمين نغرق في مهاتراتنا الشيعية والسنية والاقصى يستصرخ من خلف قضبان السجانين المتصهينين ولا حول ولا قوة الا بالله…