الكتل النيابية نواة لأحزاب برامجية

68

طالب جلالة الملك في لقائه قبل أيام رئيس مجلس النواب ورؤساء الكتل النيابية بتطوير عمل الكتل النيابية وتفعيل دورها في برامج واضحة، لتكون نواة لأحزاب برامجية في المستقبل. إن أهمية الكتل النيابية تكمن في أنها تعتبر البديل الدستوري المتوفر للأحزاب السياسية، فهي تقوم على أساس تجميع النواب بعضهم بعضاً على أساس فكري أو برامجي أو حتى عقائدي، فيتحول العمل البرلماني لعمل كتلوي جماعي بدلا من أن يكون عملا فرديا لا يحقق الفائدة المرجوة منه.

لقد جاء اعتراف النظام الداخلي لمجلس النواب بالكتل النيابية متأخرا، وتحديدا في عام 2013، حيث كان الهم التشريعي الأكبر في ذلك الوقت القضاء على ظاهرة «السياحة بين الكتل»، وفكرة الكتل الهلامية غير الثابتة، التي كانت تتشكل لغايات انتخاب أعضاء المكتب الدائم. فجاء النص الذي يلزم الكتل بأن لا يقل عددها عن (10%) من أعضاء المجلس، وهذه النسبة قد شكلت عائقا أمام نواب قائمة الاصلاح في تشكيل كتلة نيابية خاصة بهم مسجلة لدى الأمانة العامة حسب الأصول.

كما توسع النظام الداخلي في الأحكام الإجرائية ذات الصلة بتقديم طلب تسجيل الكتل النيابية والتغييرات التي قد تحصل فيها، حيث حُظر على النائب الانضمام لأكثر من كتلة واحدة، ومُنع من الانتقال من كتلة إلى أخرى إلا بعد انتهاء الدورة العادية. وفي هذا الحكم تشجيع على زيادة عدد النواب المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي كتلة نيابية. ومع ذلك تبقى تجربة الكتل النيابية في الأردن بعيدة كل البعد عن نظيراتها في الأنظمة العربية المقارنة، التي نجحت في تبني أحكام ديمقراطية متطورة في هذا المجال، وتحديدا فيما يتعلق بتكريس مبدأ «المعارضة الكتلوية»، والذي يقوم على أساس الاعتراف لبعض الكتل النيابية بصفة المعارضة داخل المجلس النيابي. إن تقنين فكرة المعارضة الكتلوية يكون من خلال اعتبار الكتل التي ترغب بأن تقوم بدور المعارضة، أو تلك التي تحجب الثقة عن البيان الوزاري للحكومة بأنها المعارضة الدستورية في المجلس المنتخب. ففي تونس مثلا، جرى تعريف المعارضة بأنها كل كتلة نيابية تعلن عن نفسها بأنها ستعارض الحكومة، وذلك من خلال رفضها المشاركة في الحكومة، أو عدم منح أعضائها ثقتها للحكومة، أو عدم تصويت أغلبية أعضائها على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها. كما ينص الفصل (10) من الدستور المغربي على ضرورة تمكين كتل المعارضة (الفرق) من النهوض بمهامها على الوجه الأكمل في العمل البرلماني.

ويثبت لكتل المعارضة النيابية حقوقا دستورية مهمة تتمثل برئاسة بعض اللجان البرلمانية، وبأن تتقدم بالحديث عن باقي الكتل والأفراد في جلسات المجلس، وبأن يتم تحديد أماكن جلوس معينة لها في المجلس النيابي. ففي تونس مثلا، ينص الفصل (87) من النظام الداخلي لمجلس الشعب على أن يتولى أحد أعضاء المعارضة رئاسة لجنة المالية والتخطيط والتنمية، وأن تسند مهام مقرر لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية إلى أحد أعضاء كتلة المعارضة. وفي المغرب تقرر إعطاء كتل المعارضة النيابية الحق في ترشيح القضاة إلى المحكمة الدستورية.

إن الكتل النيابية في الأردن بحاجة إلى مراجعة موضوعية شاملة لدورها في النظام الدستوري، بحيث يجب أن يتم التعامل معها على أنها الركيزة الأساسية في العمل البرلماني.

د. ليث كمال نصراوين

الراي

اترك رد