كيف ندعم الجهود الملكية ؟.. د. نبيل الشريف

95

كتب: د. نبيل الشريف

حقق جلالة الملك نجاحا باهرا في مساعيه الرامية لإحباط قرار الرئيس الأميركي «ترمب» المتعلق بالقدس ، وإستطاع الملك أن يوظف علاقاته الدولية المؤثرة لخلق رأي عام دولي معارض للقرار الظالم الذي يكافئ المحتل الإسرائيلي على مخالفته للقانون الدولي وقيامه بضم المدينة المقدسة الرازحة تحت إحتلاله وإعتبارها عاصمة له.

لقد أدرك جلالته أن الوقت عنصر حاسم في هذا الموضوع ، وأن إسرائيل قد تنجح في فرض سياسة الأمر الواقع فتحرك خلال الفترة الماضية بسرعة فائقة ، وإلتقى وهاتف العديد من القادة وشارك في مؤتمرات وملتقيات عديدة حول القدس تكللت كلها بالنجاح.

وقد أتى الجهد الملكي أُكُله ، فأصدرت الجمعية العامة قرارها الرافض لقرار ترمب بأغلبية 128 عضوا ، مما يعني أن ترمب هو الذي أصبح معزولاّ بعد أن صوتت ضد قراره معظم دول العالم ، وكان ترمب قد تلقى صفعة قبل ذلك بأيام في مجلس الأمن عندما وجدت أميركا نفسها وحيدة أيضا ضد الأربعة عشر عضوا الآخرين في مجلس الأمن مما اضطرها إلى إستعمال حق النقض لإبطال القرار.

لقد إضطلع جلالته بمسؤولياته كخادم للمقدسات وصاحب للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس على أكمل وجه ، ورغم أن المعركة لم تنته بعد ، الإأن قلوبنا تملؤها الثقة أننا نسير على الطريق الصحيح وأن رؤية الملك ستقود الأردن والقدس إلى بر الأمان لامحالة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يمكن لنا أن ندعم جهود الملك ونكون عونا له في معركة الدفاع عن مصالح الأردن وحماية القدس ؟

إن أول مايجب علينا فعله هو حماية جبهتنا الداخلية بالمحافظة على وحدة صفنا أكثر من أي وقت مضى ونبذ الإشاعات ورفض محاولات تثبيط الهمم وبث اليأس والإحباط في نفوس الناس ، فلم يزعم أحد أن المعارك المصيرية مثل معركة الحفاظ على عروبة القدس تأتي دون أثمان باهظة. ولكننا نسمع بعض الأصوات المشككة التي تقول أن قرارات الجمعية العامة مثلا لاقيمة لها لأنها غير ملزمة ، فلاأحد ينكر ذلك، ولكن الا توجد قيمة معنوية لحقيقة أن أميركا وإسرائيل وقفتا وحدهما تقريبا في أهم محفل دولي ضد العالم كله ؟ ألايحمل هذا الأمر رسالة قوية مفادها أن العالم لايعترف بإجراءات إسرائيل غير الشرعية في القدس كما أنه لايوافق على القرارات التي أصدرها ترمب حول القدس؟

إن وقف حملات التشكيك وتسفيه كل شيء هي من أهم الأمور التي يجب أن نسعى لتحقيقها دعما لجهود الملك في حماية القدس والدفاع عن الأردن في المرحلة القادمة ، فالجبهة الداخلية القوية والواعية والمتراصة تسهل مساعي جلالته وتمكنه من بذل كل الجهود الممكنة لما فيه خدمة مصالحنا الوطنية وبما يسهم في الدفاع عن عروبة القدس.

كما أن إستمرار التعبير الحضاري عن دعم عروبة القدس من خلال المسيرات المنضبطة تكمل جهود جلالته على الساحة الدولية وترسل رسالة واضحة مفادها أن الأردنيين يقفون صفا واحدا خلف القيادة الهاشمية نصرة لعروبة القدس ، وأنهم مستعدون للتضحية والبذل ضمانا لحقهم في إتخاذ القرارات السيادية التي تخدم مصالحهم دونما ضغط أو تأثير من أحد ، فنحن لانبيع مبادئنا ولانقايض مواقفنا بكل أموال الدنيا.

ومن جهة اخرى فإنه من المفيد تقديم كل الرؤى والطروحات للنقاش العام بروح من المسؤولية ولكن من دون إثارة للفزع والذعر الذي لامبرر له في أوساط الناس ، فالأردن ليس رقما سهلا عند كل الأطراف الإقليمية والدولية ، ومعظم هذه الأطراف هي التي تحتاج الأردن وليس العكس.

إن هذا لايعني التهوين من التحديات الماثلة ، ولكن الإقرار بوجود هذه التحديات شيء والطلب من الأردن أن يقفز في أحضان المجهول بتغيير تحالفاته دون دراسة أو تمحيص شيء آخر تماما ، فالدول الطارئة الهشة هي التي تغير مساراتها السياسية مع مطلع كل شمس ، ولكن الأردن دولة راسخة واثقة من نفسها ، وهي تدرس قراراتها بعمق قبل اتخاذها. وقد تصل بعد الدراسة والتأمل إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الخيارات السياسية ، ولكن يجب أن تصل الدولة إلى هذه القناعة بعد دراسة متأنية بعيدا عن سياط الرأي العام التي قد لاتتوفر لديها المعرفة الكاملة بكل أبعاد الصورة.

بمعنى آخر، إننا نقدم العون الحقيقي لجلالة الملك من أجل الأردن والقدس كلما وفرنا البيئة المناسبة التي تسمح بتدفق الأفكار ولكن دونما تهييج للشارع للمسارعة بتبني هذا الخيار أو ذاك دون إخضاعه للدراسة المستفيضة، فهذا هو الإنتحار السياسي بعينه.

إننا معنيون جميعا بدعم الجهد الملكي المبارك من أجل الأردن والقدس ، وأهم مايمكن أن نقدمه هو رص الصف والوعي للأخطار وإستمرار كل وسائل التعبير الحضاري لرفض قرار ترمب ، إضافة إلى تقديم الأفكار دونما إرباك للمواطن أو صانع القرار.

اترك رد