حرية الإعلام خلال مئوية الدولة الأردنية الأولى

89

بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينه،،،
بعد استئناف الحياة الديمقراطية في عام 1989م، بدأت المطالبات من قطاع الإعلام بضرورة إعادة النظر بقانون المطبوعات والنشر المعمول به وتطويره ليتناسب والمرحلة الديمقراطية الجديدة، وضرورة رفع سقف الحريات الإعلامية والتخفيف من القيود على عمل الصحفي، وقد تجاوبت الحكومة مع هذه المطالب، فأصدرت قانون المطبوعات والنشر في عام 1993 الذي سمح للقطاع الخاص والأحزاب السياسية بإصدار الصحف اليومية والأسبوعية، وتضمن مواد تسمح بحرية التعبير والرأي والكتابة بكل حرية ضمن حدود القانون، وارتفع سقف الحرية وازدهرت الديمقراطية الصحفية.
وقامت الصحافة بممارسة عملها بكل حرية، ومراقبة الأداء الحكومي، والكشف عن الأخطاء في الأجهزة الحكومية، ما جعلها في حالة مواجهة مع الحكومة والمسؤولين والمتنفذين الذين تعرضوا للنقد المباشر، وخصوصا من الصحف الأسبوعية التي سميت آنذاك ب (الصحف الصفراء)، لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء، وبدأت الأصوات تتعالى وتطالب بإعادة النظر في قانون المطبوعات والنشر وفعلا، تم تعديله من قبل الحكومة في عام 1997، بإصدار قانون مؤقت للمطبوعات والنشر، مستغلة غياب مجلس النواب الذي حل في ذلك الوقت. بعد إقرار القانون المؤقت، والذي تضمن العديد من القيود والعقوبات على الصحف والصحفيين، تولدت معارضة شديدة لهذا القانون من نقابة الصحفيين، والأحزاب السياسية المعارضة، والنقابات المهنية، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، فهدد رؤساء (13) نقابة مهنية بتقديم استقالة جماعية في حالة عدم تراجع الحكومة عن القانون، وأعلنت نقابة الصحفيين اعتصاما مفتوحا، ورفعت الأحزاب السياسية المعارضة مذكرة إلى رئيس الوزراء تناشده إعادة النظر في القانون المؤقت، في حين قدم رؤساء خمس نقابات مهنية استقالتهم من مناصبهم، بينما أعلن الثمانية الآخرون أنهم سيستقيلون احتجاجا على القانون المؤقت، ونظرا لعدم تجاوب الحكومة لمطالب النقابات والتراجع عن القانون، وعدم ايلاء هذه الإجراءات التصعيدية أي إهتمام، فقد قررت النقابات المهنية التراجع عن إجراءاتها لحمل الحكومة على إلغاء قانون المطبوعات، من منطلق المحافظة على النقابات والمصلحة الوطنية، كما أعلن مجلس نقابة الصحفيين تعليق استقالته وإنهاء الاعتصام المفتوح، تمهيدا لإجراء حوار مع الحكومة لحل الأزمة، ونتيجة لهذا القانون قرر مجلس الوزراء إغلاق سبع صحف أسبوعية عملا بأحكام القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر.
وبعد ذلك رفعت الأحزاب السياسية ونقابة الصحفيين والتيارات السياسية المعارضة دعوى لدى محكمة العدل العليا ضد الحكومة، والتي أصدرت حكمها بعدم دستورية القانون وطلبت من الحكومة الغاؤه.
وفي ضوء صدور قرار المحكمة بالغاء القانون المؤقت، ألغيت كافة الإجراءات والقرارات التي صدرت بحق الصحف في فترة سريان القانون المؤقت، وقامت الحكومة بإعداد مشروع قانون جديد للمطبوعات والنشر أفضل من القانون السابق، وتم طرحه على مجلس النواب الذي ادخل عليه بعض التعديلات الإيجابية والموافقة عليه.
ورغم هذه التعديلات الإيجابية، لم يستجب القانون لمطالب نقابة الصحفيين بحظر توقيف الصحفيين في قضايا المطبوعات والنشر، وكان لتوجيهات الملك عبدالله الثاني الأثر الإيجابي والدور المخفف من الناحية العملية في بعض المواقف.
وفي عام 1999 عملت الحكومة على إجراء تعديلات جديدة على القانون، بحيث أصبح القانون متطورا وأفضل مما كان عليه القانون السابق الصادر في عام 1998، فقد جرى إدخال تعديلات إيجابية رفعت من هامش الحرية الصحفية، والتخفيف من القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير.
وقد كان للقضاء الأردني الأثر الإيجابي ودور مهم في ترسيخ حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة والمطبوعات، وذلك من خلال دفع الاعتداءات على الحقوق والحريات.
كما استطاع القضاء الأردني أن يحقق التوازن والتوافق ما بين حرية الرأي والتعبير، وما بين حدود واخلاقيات ممارسة هذا الحق، وهذا مؤشر على أن القضاء الطبيعي هو الضمان الأكبر لحرية الصحافة وحقوق الإنسان.
لذلك وفي هذا الصدد فقد كان جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله من الداعمين لحرية الصحافة، وعدم قبوله لتوقيف الصحفي، حيث قال “…. من غير المقبول أن يسجن الصحفي بسبب خلاف في الرأي على قضية عامة، ما دام هذا الرأي لا يشكل اعتداء على حقوق الناس أو حرياتهم أو أعراضهم أو كرامتهم”. كما أكد جلالة الملك عبدالله الثاني على حرية الإعلام ودوره الوطني والمجتمعي بقوله “… والإعلام المرئي والمسموع والمكتوب هو رابطة ليس لأحد الحق في احتكارها، وهو ليس إعلام حكومة، بل إعلام دولة يعبر عن ضمير الوطن وهويته، وفي هذا السياق يجب العمل على استقلال مؤسسات الإعلام”.
والواقع أن ثورة المعلومات شكلت الضربة الأساسية لسيادة الدولة المطلقة على أفرادها، فإذا كانت دائرة المطبوعات والنشر تستطيع منع دخول صحيفة أو مجلة، فإنها لا تستطيع منع أي مواطن من رؤية أية محطة فضائية أو أي موقع على الإنترنت، فالمثل العليا عن حرية الصحافة غير موجودة بنسب متساوية في مختلف دول العالم.
واستمرت جدلية الحوار حول حدود حرية الصحافة والإعلام، والصراع بين السلطة والاعلاميبن على حدود الحريات وضوابطها، وما زال الصحفيين يتعرضون للاعتقال والمحاكمات خصوصا في ظل تزايد أعداد المواقع الإعلامية والاعلام الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي والاذاعات المسموعة، وباعتقادي من الصعب الوصول إلى قوانين اعلامية ترضي الطرفين السلطة والاعلاميبن.
حمى الله الأردن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي من كل مكروه.

اترك رد