لقد تعبنا من شدّة الركض ولَم نعد نعرف كم من الوقت يلزمنا للتوقف عن الركض ؟
أسئلة الأردنيين لطالما أصطدمت بالباب الرئيسي للفكر والعقل …. فالعوامل التي تختبر وجود حكومة قوية هي قدرتها على الإستجابة السريعة لكل التحديات الآتية والمستجدة التي تُجابِهها والقدرة على التعامل معها وتوجيه مسارها بالشكل الصحيح …. فمخالب الوضع الإقتصادي والإجتماعي للناس صعبة جداً وغير مسبوقة وآثارها السلبية امتدت إلى كل مناحي الحياة.
والسؤال الموجه للحكومة هل البرنامج التنفيذي للحكومة الذي أُرسل للملك تنفيداً لتوصيات التكليف هو تمنّيات أم أهداف حقيقية قابلة للتنفيذ ؟
فبدون تخطيط وإعداد برامج حقيقية تعم الفوضى وتسير الجهود بصورة عشوائية ويغلب عليها المفاجآت …. فجميع البرامج والخطط السابقة للحكومات لم تستطع أن تنتشل القطاعات الإقتصادية المهمة من واقعها المُزري الذي تعيشه فهناك ثلاثة قطاعات مهمة رئيسية تعتبر من المعيقات لتطور ونمو الإقتصاد الأردني وهي الطاقة والمياه والرقعة الزراعية …. وهي تُشكل نقاط ضعف رئيسية في بنية الإقتصاد والذي ما زال يعاني من عدم تجانس سياساته وضعف مرونته.
فإشكالية التنمية والبرامج التنموية الحقيقية تكمن في عشوائية السياسات والبرامج وعدم مقدرة الحكومات على إعداد برامج تبتعد عن مبدأ الفزعة في إدارة الأزمات …. فلهذا بقي اقتصادنا ريعياً أحادي الجانب وغير منتج رغم أن معظم الحكومات كانت تمتلك البوصلة ولكنها للأسف لم تكن تعرف الإتجاهات.
فقد تعبنا من الكلام والتنظير والوعود وأملُنا أن يكون المستقبل خيراً من ماضيه.
فالدولة ومؤسساتها لديها أكثر من مائة من الخطط والإستراتيجيات والبرامج التنفيدية التي كُتبت وجُلدت وأطلقت ووزّعت منها ما هو عشري وخمسي وثلاثي …. ففي كل حكومة جديدة تتكدّس الإستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية والتي يكون هناك تضارباً وتبايناً في مرتكزاتها وفِي نسب نموها.
فحكومة الرئيس النسور السابقة أطلقت عدة برامج منها على سبيل المثال رؤية الأردن ٢٠٢٥ وتوقّعت نسبة نمو ستصل ٤،٩٪ ولكنها لم تحقق وقتها أكثر من ١،٩٪ …. فكانت الحكومة الأكثر استدانة واقتراضاً فقد ارتفعت المديونية في عهدها ٨،٥ مليار دينار علما بأنها كانت ١٢ مليار دينار …. فلا شك بأنها ستدخل التاريخ الأردني كونها أدخلت البلاد والعباد في نفق المديونية.
وحكومة الدكتور الملقي قامت أيضاً بتسويق خطة للتحفيز الإقتصادي ٢٠١٨-٢٠٢٢ لم يكتب لها النجاح فقد غادرت الحكومة المشهد مُبكراً.
وبعدها جاءت حكومة النهضة بقيادة الدكتور الرزاز الذي أوحى لنا أن الأردن سيصبح كاليابان في الصناعة والإقتصاد والإكتفاء …. وأطاحت وجمّدت خطة حكومة الدكتور الملقي وجاءت بشعار برّاق وهو حكومة النهضة …. وبعهدها ارتفع الدين العام للدولة إلى عنان السماء وقامت بإبعاد وإقصاء وزراء ومسؤلين من الرموز الوطنية ووجّهت لهم تهم باطلة وظالمة …. حيث امتلكت الحكومة بوقتها مخالب جارحة …. فلا يوجد في تاريخ الأردن حكومة نالت من الإنتقاد والتجريح ما نالته حكومة النهضة.
فكل حكومة تنسف على ما يبدو سابقتها وكأننا نعيش في جزر معزولة …. فالبرنامج الوحيد الذي تجتمع عليه جميع الحكومات على اختلافها في الأردن هو برنامج صندوق النقد الدولي العابر للحكومات.
فأنا شخصياً لم يتسنّى لي الإطّلاع على برنامج الحكومة التنفيذي لمدة أربع سنوات …. والسؤال هو هل البرنامج له مصادر تمويل خاصة به ؟ وهل هو مقسم إلى مراحل ومحطات نقف عندها ؟ وهل تم ترتيب الأولويات وتقسيم الأدوار ؟ فسابقاً تم تعين وزراء ومسؤلين ليس لديهم القدرة على وضع برامج ومشاريع إنتاجية …. فالوزير كان يأتي ولا يعرف ماذا يريد ولا من أين يبدأ !
فالتّخطيط وإعداد البرامج التنموية والإقتصادية يتطلّب مهارة عقلية تجعل الدولة تسير وفق منهج واضح وخطوات ثابتة وراسخة …. فالتّخطيط لا يسعى للتنبؤ بالمستقبل بل إلى تشكيل المستقبل من خلال بَلوَرة أهداف تتصف بالجرأة …. فدقيقة من التخطيط توفر عشرة دقائق تنفيذ أي النجاح بنسبة ١٠٠٪.
فدعونا نتفاءل مع هذه الحكومة ومع حركة الزمن وأن لا نيأس مع توالي حركة الأيام …. فالطاقات البصرية هي بين الأشعة الحمراء والبنفسجية أما الطاقات الإبداعية والفكرية فلا حدود لها.
المهندس سليم البطاينة