المخابرات تعرفهم واحدًا واحدًا

76

محمد داودية

اختلفنا واحترنا في عدد الأردنيين الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق. جهات أجنبية قدّرت عددهم بـ 4000 وجهات أخرى قدّرتهم بـ 3000 وجهات قدّرتهم بـ 2500 وجهات قدّرتهم بـ 2000 وجهات بـ 1500 إرهابي.

إنّ البون الشاسع في الأرقام، ليس له مبرر ما دام بالإمكان معرفة عدد هؤلاء على وجه الدقة لا على وجه التقريب!! لأن معرفة أرقام هؤلاء المضللين الضالين المغرر بهم، مهمة جدا فالوصول إلى عددهم الحقيقي مهم لإعطاء مؤشر على بنية المجتمع الأردني الدينية والأخلاقية والسياسية والثقافية والتربوية: إنها تقدّم مؤشرات على منسوب التطرف والتشدد والتسامح والتعددية في بلادنا. وعلى نجاح الأردن أو فشله في صياغة مجتمع خلو من الإرهاب والقسوة والغلو والغلظة.

لا يجوز السكوت عن التضارب الخطير المؤذي في أرقام الأردنيين الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، خاصة وأن التفاوت في الأرقام فظيع وفاغر، علاوة على انه غير مقبول ولا يجوز السكوت عنه، لما يقدّم من إحداثيات غير صحيحة ولا صادقة عن مجتمعنا، تثير الفزع والرعب وتدفع في بعض الحالات إلى نكوص المستثمرين والسواح وهجرة أو مغادرة عدد من الأردنيين الذين يظنون أن الإرهاب امتدّ إلى البلد واكتسحها وسيسيطر عليها. كل هذا على خلفية تقرير أن نحو 100 ألفٍ من الأردنيين يؤيدون التنظيمات الإرهابية.

كيف لا يمكن إحصاء البني ادمين، ما دام بالإمكان قياس السكر في الدم وعدد الكريّات البيضاء والحمراء فيه؟. ومعرفة «دي ان ايه» وجنس الجنين. والتنبؤ بوقوع الزلازل والمنخفضات الجوية والأمطار والثلوج وجمع قطرات الأمطار الساقطة ومعرفة كم ملم كوّنت. ومعرفة سرعة الفهد وكرة المضرب وكرة القدم. وسرعة العدّاء والسبّاح لجزء من مئة من الثانية. ومعرفة سرعة الضوء وسرعة الصوت. وإصابة الهدف في إدلب من غواصة في البحر المتوسط أو من طائرة بدون طيار. واكتشاف واعتراض صاروخ وتدميره. ومعرفة الخلايا السرطانية وتدميرها. واستبدال القلوب والوجوه والرؤوس مؤخرا. وكشف الكذب. ومعرفة عدد تمريرات فريقي ريال وبرشلونة وباريس سان جيرمان ويوفنتوس في المباراة الواحدة.

نحن نتحدّث عن جهاز مخابرات هو بنك للذكاء والعبقرية والإبداع والتحوّط والرصد والدقة والاستباق. فما بالكم بعمل إحصائي- استخباري تقليدي لاحق، هو معرفة عدد الأردنيين الذين غادروا البلاد لغايات الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية؟!

هل يمكن معرفة عدد الأردنيين المنضوين في عصابات الإرهاب على وجه الدقة ولأقرب كسر عشري؟!
نعم يمكن ذلك بالتأكيد. وإليكم تقديراتي الشخصية.
يتمّ ضبط أسماء كل من يغادرون عبر الحدود البرية والبحرية والجوية. ولاحقا يتمّ التأكد من وجهاتهم وهل ذهبوا للدراسة أم للسياحة أم للتجارة أم للعلاج أم للقنيص أم ذهبوا في دورات أم لأغراض غامضة.

وهل عاد المسافرون والغياب أو لم يعودوا؟
لا يمكن أن يغيب مواطن دون أن يصبح معلوما للجيران ولكل أهل الحي أو للأقارب أو لزملاء الدراسة أو لزملاء العمل أو لأهل الزوجة أو لأهل الخطيبة أن فلانا انقطعت أخباره ومش مبيّن. وين فلان يا جماعة؟ فما أن يغيب الجار في معظم الحالات حتى يسأل الجيران: النا يومين ماشفنا فلانا. وإذا غاب ابنه يقولون: النا اسبوع ما شفنا ابنك يا أبو سالم.

فإذا غادر الابن سرا إلى جهة ليست معلومة فإن الأهل يدبّون الصوت وتبدأ الأمهات والزوجات والأسرة في المناحات ويضطرب الأهل والأقارب والنسايب كلهم لغياب الابن.

وكثيرًا ما يتفاخر المغادرون ويتباهون بأنهم ذاهبون لنصرة الإسلام ولرفع الضيم عن السنّة!!
وطبيعي أن تكلّف دائرة المخابرات مكاتبها وأعوانها ومخبريها في القرى والأحياء والبوادي والمخيمات برصد الغيابات والتنبيه إلى أسبابها.

إذن، تلتقط مجسّات المخابرات المعلومة وتتأكد من سبب الاختفاء وتساهم وسائل معينة أخرى كثيرة في حصر أسماء الملتحقين بالإرهابيين وتحديدها كالصور والاتصالات الهاتفية ووسائل التواصل وزملاء الذُّهان. فتصل المخابرات إلى أسمائهم الرباعية وأطوالهم وأوزانهم وألوان عيونهم ونمر أرجلهم حتى.

الدستور

اترك رد