“بدو البحر” الذين يثقبون طبلات آذانهم للغوص في الأعماق
201
Share
الأردن اليوم : لو جربت أن تحبس أنفاسك تحت الماء، كم دقيقة يمكنك القيام بذلك؟ دقيقة؟.. اثنتان؟ ومن المحتمل أنك تخيلت نفسك تقوم بذلك في حمام السباحة وأنت واقف فيه. ولكن على الأرجح لن تستطيع الصمود حتى لدقيقتين لو قمت بحبسها أثناء السباحة بعمق تحت سطح الماء.
لكن ماذا لو أخبرناك أن شعب باجاو في الفلبين وإندونيسيا، يمكنهم السباحة بعمق 200 قدم تحت سطح المحيط، وحبس أنفاسهم لمدة تصل إلى 13 دقيقة، وهم الشعب الوحيد الذي يمكنه القيام بذلك، وفقاً لموقع The Atlantic.
أما إن كنت تتساءل عن السبب، فتابع معنا القراءة للتعرف على شعب الباجاو، أفضل غواصي العالم.
“بدو البحر”، يعيشون في البحر ويعملون فيه ويتنقلون عبره
عاش شعب الباجاو في البحر لأكثر من 1000 عام، على قوارب صغيرة أو بيوت خشبية تطفو في المياه قبالة إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين. وقد كانوا يأتون إلى الشاطئ فقط للتجارة وشراء بعض الاحتياجات، أو للحماية من العواصف التي تحصل أحياناً.
يجمع الباجاو طعامهم عن طريق الغوص الحر إلى أعماق تزيد على 230 قدماً، أي ما يقارب 70 متراً، دون ارتداء أي بدلات أو زعانف، ويستخدمون فقط نظارات خشبية أحياناً ورماحاً من صنعهم.
حتى إنهم في بعض الأحيان، يقومون بتمزيق طبلة الأذن الخاصة بهم في سن مبكرة لتسهيل الغوص، وتحمل الضغط الشديد في أعماق البحر.
وقد يقضون أكثر من خمس ساعات تحت الماء، لالتقاط ما بين رطلين و18 رطلاً من الأسماك والأخطبوطات.
لكن كيف يستطيعون القيام بذلك؟ العلماء توصلوا أن التدريب المكثف على الغوص ليس وحده السبب.
جينات شعب الباجاو مختلفة عنا!
رغم أهمية الخبرة والتدريب للغوص والسباحة لتلك المدة الطويلة، فإن الدلائل العلمية وجدت أيضاً أن شعوب الباجاو تكيفت وراثياً مع الحياة في البحر، وأن تركيبهم الجيني مختلف عن البشر العاديين.
وقد اكتشف الباحثون أن الباجاو يمتلكون سمة وراثية مفيدة ومميزة، وهي متغيرات من جين PDE10A وجين BDKRB2، غير موجودة حتى عند أقرب الشعوب لهم الذين يسمون “السالوان”.
يُعتقد أن هذه الجينات تتحكم في هرمون معين في الغدة الدرقية، عند شعب باجاو. ويعتقد العلماء أنه بمرور الوقت، ساعد الانتقاء الطبيعي الباجاو، الذين عاشوا في المنطقة منذ ألف عام، على تطوير هذه الميزة الجينية.
كما تم ربط هذا الهرمون بحجم الطحال المختلف عند هذا الشعب.
الطحال لدى شعب الباجاو أضخم بنسبة 50%
عندما تحبس أنفاسك وتُغرق وجهك في حوض من الماء، فإن جسمك يطلق تلقائياً ما يُسمى باستجابة الغوص. حيث يتباطأ معدل ضربات القلب وتنقبض الأوعية الدموية والطحال، وكلها ردود فعل تساعدك على توفير الطاقة عندما يكون الأوكسجين منخفضاً.
تشبه استجابة الغوص حالة طبية تسمى نقص الأكسجة الحاد، حيث يعاني الإنسان من فقدان سريع للأوكسجين عند الغوص والسباحة، تنتهي بالإغماء والوفاة أحياناً.
يمكن لمعظم الناس حبس أنفاسهم تحت الماء لبضع ثوانٍ، وبعضهم لبضع دقائق. لكن الباجاو يستطيعون البقاء تحت الماء لمدة تصل إلى 13 دقيقة على عمق حوالي 200 قدم، مما أثار فضول العلماء واهتمامهم، الذين اعتقدوا أن الإجابة قد تكون بمقارنة الشعب مع الفقمات.
تتميز الفقمات، وهي ثدييات بحرية تقضي معظم حياتها تحت الماء، بأن الطحال لديها كبير جداً بالمقارنة مع باقي أعضاء جسمها، ما يساعدها على الغوص في الأعماق لمدة طويلة.
وفي دراسة قامت بها جامعة كوبنهاغن عام 2018، لمعرفة ما إذا كانت الخاصية نفسها تنطبق على شعب الباجاو الغواصين، تبين أن متوسط حجم الطحال لديهم كان أكبر بنسبة 50% من العضو نفسه عند شعب السالوان المجاور لهم، وأكبر من حجم طحال البشر العاديين بذلك أيضاً.
التكيف أيضاً كان نتيجة العيش في الماء لعقود طويلة
في حين أن حجم الطحال قد يفسر جزئياً قدرة الباجاو على الغوص، فقد تلعب تكيفات أخرى دوراً مهماً في ذلك، مثل استجابة جسم الإنسان لكل من الارتفاعات العالية والأعماق الشديدة.
عندما يغوص الإنسان في عمق الماء، تؤدي الزيادة في الضغط إلى امتلاء الأوعية الدموية في الرئة بمزيد من الدم. وفي الحالات القصوى، يمكن أن تتمزق الأوعية الدموية، مسببة الموت.
بالإضافة إلى التكيفات الموروثة جينياً، يعتقد العلماء أن التدريب المنتظم على السباحة والغوص خلال حياتهم في البحر لأجيال، قد ساعد أجسام شعب الباجاو على بناء تكيفات خاصة مع أسلوب حياتهم المحيطي.
إذ أصبح جدار الرئة والبطن لديهم أكثر توافقاً مع الغوص، كما أصبحت الأغشية، مثل الحجاب الحاجز، أكثر قابلية للتمدد عندهم، وفقاً لموقع National Geographic.
نمط حياة يتعرَّض للتهديد المستمر نتيجة العوامل البيئية والدولية
لسوء الحظ، فإن نمط حياة البدو البحري لشعب الباجاو يتعرض للتهديد بشكل متزايد، لدرجة تهدد بزواله. إذ إن العديد من العوامل تمنعهم من ممارسة نمط حياتهم.
أولاً، لا يتوافق نظام حياة الباجاو مع سياسات العديد من الدول الحديثة، وقد أُجبر العديد منهم على الاستقرار على الأرض أو في القرى المبنية على البحار الضحلة.
علاوة على ذلك، ينخرط بعض الباجاو في ممارسات الصيد، التي تضر بشكل مباشر بالبيئات التي يعتمدون عليها. إذ يقوم بعض الغواصين بسحق أقراص سيانيد البوتاسيوم في زجاجات بلاستيكية مليئة بمياه البحر، والتي يمكن بعد ذلك رشها على الأسماك لصعقها لسهولة الصيد.
تؤدي هذه الممارسة بسهولة إلى إتلاف الشعاب المرجانية الحساسة، التي تشكل البيئة للعديد من أنواع الأسماك التي تعتمد عليها في الغذاء. كما يؤدي الصيد الصناعي إلى استنفاد الأرصدة السمكية التي اعتادوا البقاء على قيد الحياة فيها.
كما أن أسلوب حياة البدو البحري جعلهم مجموعات مهمشة لا تتمتع بحقوق المواطنة نفسها، مثل نظرائهم الذين يعيشون في البر. وزيادة الصيد الصناعي تجعل من الصعب عليهم العيش على الصيد. ونتيجة لذلك، يختار الكثيرون مغادرة البحر والعيش على اليابسة.