سوريا، الأزمة المنسيّة؟
إيموجين فولكس
في منتصف أغسطس الجاري، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه يُواجه فجوة تمويل قياسية لميزانية الاستجابة للطوارئ في عام 2022. وفي ديسمبر الماضي، وجّه المكتب مناشدة للمانحين من أجل تأمين 41 مليار دولار – وهو رقم قياسي أيضًا – للتخفيف من وطأة أزمات إنسانية متعددة هذا العام، من سوريا إلى أفغانستان ومن اليمن إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
تقدم إيموجين فولكس تقارير من جنيف لصالح هيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي) وموقع swissinfo.ch .
لكن ذلك كان قبل غزو روسيا لأوكرانيا وقبل ارتفاع أسعار الغذاء والوقود. الآن، وبعد انقضاء أكثر من نصف العام، لم تتلق الأمم المتحدة سوى 15.2 مليار دولار. واضطرت تبعا لذلك إلى قطع حصص الإعاشة عن الناس في بلدان متضررة من الجفاف في القرن الإفريقي. ففي الصومال، التي تواجه الآن موسم انحباس الأمطار الخامس على التوالي، فرّ أكثر من مليون شخص من منازلهم بحثا عن الطعام. وتحذر وكالات الإغاثة من أن الوقت ينفد في الصومال لتجنب حدوث مجاعة.
ولكن ماذا عن سوريا؟ لقد ظل هذا الصراع مستمرا منذ أكثر من أحد عشر عامًا، وعلى الرغم من أننا قد لا نسمع الكثير عنه هذه الأيام، إلا أنه لم ينته بعد. إذ يستمر القتال وتتواصل الضربات الجوية في شمال غرب البلاد، وقد نزح أكثر من نصف السوريين من ديارهم سوء في الداخل أو في الخارج، ومع تدمير البلدات والمستشفيات والمدارس خلال أكثر من عقد من الحرب، تقدر الأمم المتحدة أن عدد السوريات والسوريين المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية أعلى الآن من أي وقت مضى منذ بدء الصراع.
هذا ما نناقشه في أحدث عدد من بودكاست “من داخل جنيف”، الذي انضمت إلينا فيه كل من سانجانا كوازي، مديرة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في تركيا، وتانيا إيفانز، المديرة الإقليمية لسوريا ضمن لجنة الإنقاذ الدولية (منظمة غير حكومية). في البداية، أضافت المشاركتان بعض التفاصيل إلى البيان الأممي الذي تحدث عن مستويات الاحتياجات القياسية وأفادتا أن 90% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، وأن 14.6 مليون سوري وسورية يحتاجون إلى المساعدة
آليات التأقلم السلبية
تقول تانيا إيفانز إن كثيرين قد لجأوا إلى ما تسميه وكالات الإغاثة “آليات التأقلم السلبية”. ماذا يعني ذلك بالضبط؟ “الزواج المبكّر، وعمالة الأطفال، والأمر المزعج حقًا هو الارتفاع المُسجّل في محاولات الانتحار”.
تخيّل أن تكون والداً في سوريا، مع القليل من الوسائل المتاحة، بحيث يكون خيارك الوحيد لضمان إطعام أسرتك هو إرسال طفلك إلى العمل، أو تزويج ابنتك؟ هذا هو الواقع الذي تُواجهه ملايين العائلات السورية.
وقالت سانجانا كوازي لبودكاست “من داخل جنيف” إن “برنامج الأغذية العالمي اضطر لخفض حصصه الغذائية بنسبة 13% بسبب {نقص} التمويل”.
علاوة على ذلك، فإن قيمة الأموال التي تمتلكها وكالات المعونة تتآكل بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، والتضخم الصاروخي في سوريا، التي تحولت المناطق الشمالية منها مؤخرًا إلى استخدام الليرة التركية كعملة. وتوضح إيفانز أنه “قبل عام من الآن، كانت مئة ليرة تُمكنني من إطعام عائلتي بأكملها في شمال غرب سوريا. أما الآن، فإن مئة ليرة تركية لا تمكنني إلا من شراء رغيف خبز واحد”.
المساعدات ولعبة السياسة
قد يعتقد المرء أن مثل هذه الإحصاءات الصارخة من شأنها أن تحفز البلدان المانحة على بذل المزيد من أجل تقديم المساعدة. في الواقع، أصبحت المساعدات الإنسانية لسوريا غارقة في أحابيل السياسة. ولتوصيل الإمدادات بالكميات التي تحتاجها سوريا، تفاوضت الأمم المتحدة في عام 2014 على عمليات التسليم عبر الحدود، حيث قامت بإرسال أطنانٍ من المواد الغذائية والأدوية عبر كل من تركيا والأردن.
لكن هذه المعابر يجب أن تتحصل – مُسبقا – على موافقة مجلس الأمن الدولي. وتقول روسيا، التي تدخلت في سوريا لدعم الرئيس الأسد، إن جميع الإمدادات يمكن توصيلها عبر دمشق، وقد استخدمت مؤخرا حق النقض لمعارضة تجديد التصاريح الممنوحة للمعابر. ففي السابق، كانت هناك أربع معابر، تم تقليصها الآن إلى واحد فقط، من تركيا، ومُنح الإذن بالبقاء مفتوحًا لمدة ستة أشهر أخرى فقط، بدلاً من عام كامل.
ومع أن وكالات الإغاثة – مثل برنامج الغذاء العالمي – تمكنت فعلا من توصيل بعض الإمدادات عبر دمشق، بما يكفي لإطعام حوالي خمسين ألف شخص، فإن هذه الإمدادات تتضاءل مقارنة بما يتم تسليمه عبر المعبر الحدودي الوحيد المتبقي من تركيا. وتوضح كوازي قائلة: “نحن ندعم 2.4 مليون شخص عبر ذلك المعبر الحدودي الوحيد”. وتقول إن خمسين ألف شاحنة مرت إلى هناك منذ عام 2014.
والآن، مع الإذن بإبقاء ذلك المعبر الحدودي مفتوحا لمدة ستة أشهر فقط، تشعر وكالات الإغاثة بالقلق من أن شريان الحياة للمساعدات سينقطع في منتصف الشتاء، وتحديدا في الوقت الذي تكون الاحتياجات فيه على أشدها. وفي محاولة للاستعداد لكل الاحتمالات، تخطط الوكالات للمستقبل وتقوم بتجهيز الإمدادات مُسبقًا. لكن هذا الأمر يتسم بدوره بالصعوبة عندما يكون التمويل شحيحًا للغاية.
الأمل في إعادة الإعمار
بطبيعة الحال، فإن السوريات والسوريين أنفسهم ينتظرون في الوقت نفسه وبفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يتوقف فيه اعتمادهم على المساعدات؛ ويتم فيه إعادة بناء منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم، وعندما تكون هناك وظائف يذهبون إليها، ويكون الطعام ميسور التكلفة. لكن وكالات الإغاثة تقر بأن الخطوة التي يجب قطعها للانتقال من المساعدة الطارئة إلى الانتعاش الاقتصادي والتنمية هي دائمًا صعبة، أما في الوقت الحالي، ومع وجود أعداد هائلة من الأشخاص المحتاجين، فسيستمر التركيز على الدعم الإنساني الفوري