الدولة والأحزاب

60

نسيم عنيزات

 

لا اريد ان اتحدث هنا، عن النظريات السياسية للعمل الحزبي واسقاطها على مجتمعنا خاصة فيما يتعلق بأهميتها ودورها السياسي والاجتماعي الفاعل في اي دولة أو مجتمع ، لان لكل دولة أو مجتمع خصائص وتجارب تساعد في تعميق العمل الحزبي والمشاركة السياسية ومنها ما ادى الى اضمحلاله والعزوف عن المشاركة.

لكن علينا ان نتفق على الاقل بانه لا يمكن تصور دولة ديمقراطية من دون أحزاب سياسية وتنافس انتخابي ، اي ان الديمقراطية وتطورها لا يمكن ان ترى النور الا من خلال الاحزاب ومشاركتها السياسية بهدف الوصول الى السلطة لتنفيذ برنامجها ورؤيتها لإدارة الدولة التي انتخبها الناس على اساسه.

بمعنى ان البرنامج الذي قدمه الحزب للناس يعتبر عقدا او اتفاقا ملزما له بعد ان وجد قبولا من فئة معينة في حين رفضته شريحة اخرى بحجة انها ترى ما هو أفضل لتحسين شروطها وتحقيق مطالبها لدى حزب اخر.

اما في بلدنا فقد مرت الحياة الحزبية بعدة مراحل وأكثر من محطة عبر مئويتها الأولى منها ما شكل تحديا امامها وأعاق حركتها وحد من توسعها لاعتبارات كثيرة ونتيجة لظروف عديدة مرت بها الدولة خلال المئة عام من عمرها.

ونتيجة لهذه الظروف فهناك احزاب وجدت مساحة لها ودعما ساعد في تطورها وبقائها وصمودها وتشكيل قاعدة داعمة ومؤازرة لها على مستوى القاعدة الشعبية والحكم ايضا ، حيث قامت على اساس ديني في الأصل، لكبح جماح الاحزاب اليسارية التي كانت تستورد أفكارها السياسية من خارج الأردن خلال ظروف كانت الدولة ما زالت في حالة تشكل وبناء الهوية ووجود تحديات تهدد بقاءها وصمودها خارجيا وداخليا خاصة دولة الاحتلال وما خلفته من اثار على الدولة والمجتمع.

مما دفع الدولة الى محاصرة تلك الاحزاب خوفا من التاثير على شكل الدولة او اضعافها من خلال افكار متضاربة يتمسك بها اصحابها كانت في مجملها تنظر إلى دول أكثر استقرارا وقوة في ذلك الوقت اضافة الى ظروف واحداث سياسية قادت الى ذلك.

ومع ذلك فقد منحت فرصة وترك العنان والساحة لها في المشاركة السياسية والانتخابات مما قادها الى تشكيل حكومة سليمان النابلسي السابعة والثلاثين من حكومات المملكة الأردنية الهاشمية وكانت حكومة حزبية ترأسها سليمان النابلسي على أساس ائتلافي، إذ ضمت ستة من أعضاء الحزب الوطني الاشتراكي، وثلاثة مستقلين، ووزيرا عن حزب البعث العربي الاشتراكي، ووزيرا عن الشيوعيين، باسم (الجبهة الوطنية). تشكلت الحكومة بتاريخ 29 تشرين الأول 1956م واستمرت حتى 10 نيسان 1957.

كما شهدت التجربة السياسية الأردنية خلال العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي ظهور عدة تيارات حزبية ، ونشاط حزبي ملحوظ . وفي عام 1957 ونتيجة الظروف السياسية التي طرأت على المشهد السياسي الأردني تم الإعلان عن حالة الطوارئ ، وتم توقف النشاط الحزبي حتى عام 1989، إذ عادت بعدها مظاهر الحياة الديمقراطية والبرلمانية.

اي ان الدولة الاردنية عرفت الحياة الحزبية منذ ولادتها تقريبا وبدأت بالتشكل والطهور في بداية العشرينات في القرن الماضي.

وهذا يقودنا بان هناك ظروفا وموانع منعت تطور الحياة الحزبية وساهمت بشكل كبير في عزوف المجتمع عن المشاركة الذي لم تصل نسبته الى 1%موزعين على أكثر من خمسين حزب لن تعيدها او تدعمها الدعوات او المحاضرات ولا حتى التطمينات.

بقدر ما يحتاج الناس الى ان يروا الدور والتأثير الحزبي على حياتهم وتطلعاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال قانون انتخاب خال من اي عوائق ، بعيدا عن اصحاب المصالح والاجندات الشخصية. وبالتالي قدرة الأحزاب على اقناع الناس من خلال تجربة عملية وواقعية يراها الجميع بعيدا عن الوعود والتنظير .

وبغير ذلك سنبقى ندور بنفس الدائرة.

اترك رد