مشروع قانون المجلس الطبي المعدل وتداعياته إلى أين؟

75

د. جودت المساعدة 

ش

لا خلاف أو اختلاف من أن قانون المجلس الطبي الأردني رقم 12 لسنة 1982 وتعديلاته يتطلب إجراء تعديلات عليه وذلك لظهور ثغرات ونواقص ومستجدات وتطورات في الحقل الطبي واجتهادات وتفسيرات متباينة في تطبيقه تستدعي تعديله بالرغم من أن العبرة دائما هي في النفوس وليست بالنصوص مما حدا ذلك بالحكومة للتقدم لمجلس الامة بمشروع القانون المعدل والذي تم إحالته على اللجنة الصحية في مجلس النواب وما زال قيد الدراسة وتناول خلال هذه المدة الكثيرين من الأطباء وعدد من وزراء الصحة السابقين ونقباء نقابة الأطباء هذا المشروع بالموافقة أو النقد بالإضافة للأطباء الذين شعروا أن المشروع تجاهلهم وكذلك نقابة الأطباء والتي كان له دور كبير في بحث هذا المشروع وكانت تلك الآراء بين مؤيد ومعارض للمشروع ولكل طرف لديه من الأسباب والمبررات التي تؤيد وجهة نظره وبعد الرجوع الى الآراء والمناقشات والاجتماعات التي تمت بخصوص هذا المشروع فإنه من المفروض أن تصب جميعها بالمصلحة العامة وأن تكون بعيدة كل البعد عن الاجندات المختلفة لدى البعض أو الشخصنة والمصلحة الشخصية وذلك من أجل تجويد وتحديث نصوص قانون المجلس الطبي الأردني وتعديلاته والذي مضى على تطبيقه مدة أربعين عاما ، وأضيف أن من سمات أي تشريع هي الاستقرار لمدة معقولة لا تطاله يد التعديل وأن لا يتم التعديل أو الإلغاء إلا بما يتلاءم ويتوافق مع المستجدات ذات الصلة بالتشريع لكن التشريع ليس مقدسا وعصيا على التعديل أو الإلغاء بل هو قابل للتعديل والتغيير شريطة أن يستند ذلك الى أسباب موجبه ومبررة ومقنعه ومستندة على النواقص والثغرات والسلبيات وسوء التطبيق التي ظهرت خلال مدة تطبيقه مسترشدة بذلك بآراء المختصين المحايدين والتي تكون غايتهم وهدفهم المصلحة العامة ودون الاعتداء على أصحاب الحقوق و أحكام القضاء الإداري التي صدرت بالاستناد لذلك التشريع.

وبالرجوع لمشروع القانون أعلاه ، نجد أنه تضمن تعديل المادة (17/ز) من القانون الأصلي بحيث يتيح التعديل منح شهادة البورد للأطباء الحاصلين على شهادات الاختصاص من الدول الأجنبية دون دخول الامتحانات المقررة من المجلس الطبي شريطة أن يكون مضى على ممارسة تخصصهم في الدولة الصادرة عنها شهادة الاختصاص مدة لا تقل عن ثلاث سنوات متصلة.

وقبل التطرق للتعديل المقترح فإنني أود أن أبين للقارئ وأثناء عملي مستشارا قانونيا غير متفرغ لوزارة الصحة في عام 1999/2000 طلب مني وزير الصحة آنذاك إعداد كتاب لتعميمه على مدراء المستشفيات للسماح للأطباء المقيمين في تلك المستشفيات بالقيام بعمل الاخصائي بالرغم من عدم حصولهم على البورد الأردني وكان لي رأي في حينه من أن ذلك يخالف قانون المجلس الطبي وقانون الصحة العامة.

أما بخصوص مشروع القانون المعدل فله العديد من الإيجابيات ولكن ترد عليه ملاحظات عديدة سندها الدستور والقانون وذلك لكونه اشترط تقييم شهادات الاختصاص الصادرة من خارج الأردن بممارسة حامليها لتخصصاتهم في بلد صدورها لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولم يتطرق للأطباء الحاصلين على شهادات الاختصاص والعاملين في وزارة الصحة من عدد من الدول الأجنبية التي لا تجيز لهم العمل في تخصصاتهم فيها.

ولغايات تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع في مشروع القانون المذكور والذي يتوجب أن تكون غايته مصلحة الوطن والمواطن ودون الحاق أية أضرار مادية أو معنوية أو تمييز بين جميع الاطباء الحاصلين على شهادات الاختصاص من الدول الأجنبية وتجنبا من أية إشكالات قانونية أو طعون قضائية في حال إقرار المشروع بصيغته الحالية فإنني أرى ووصولا وتحقيقا للأسباب الموجبة الواردة في مشروع القانون المعدل ودون المساس بشهادة البورد الاردني والتي هي محل احترام وتقدير داخل المملكة وخارجها أرى أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال ما يلي :

1. قانون الصحة العامة وتعديلاته رقم 47 لسنة 2008 وبموجب المادة (8) منه تجيز لوزير الصحة إصدار التعليمات بالسماح لأي من الأطباء الاختصاصين سواء أكانوا أردنيين مقيمين خارج المملكة ومرخصين للعمل هناك أو غير أردنيين إجراء أي عملية خاصة في المملكة أو تقديم مشورة طبية فيها مما يجيز للوزير إصدار تعليمات يتم بموجبها منح تصاريح مزاولة المهنة للأطباء الحاصلين على شهادة الاختصاص من دول أجنبية وبشروط معقولة ومحددة أو تعديل تلك المادة مما يؤدي ذلك للسماح للأطباء الأردنيين الحاصلين على شهادات الاختصاص من الدول الأجنبية العودة للأردن من تلك الدول التي منحتهم مزاولة مهنة للعمل فيها دون تحديد مدة للعمل في تلك الدول من جهة وإنصاف الأطباء الحاصلين على شهادات اختصاص من الدول الأجنبية التي لا تسمح لهم بالعمل فيها من جهة ثانية لا سيما أن العديد من الدول الأجنبية تجيز للأطباء حاملي شهادة البورد بصرف النظر عن جنسياتهم للعمل فيها وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن البورد البريطاني والبورد الألماني تجيز بريطانيا وألمانيا لحامل تلك الشهادة العمل في أي منهما وكذلك فإن جمهورية مصر العربية تعترف لحاملي البورد البريطاني والامريكي والألماني بــــشهاداتهم دون اجتيازهم أية امتحانات.

2. إعادة النظر في تشكيل اللجان العلمية المتخصصة بالمجلس بحيث يتم تشكيلها وفق شروط موضوعية و من أطباء أخصائيين محايدين من بينهم الحاصلين على شهادات اختصاص من دول أجنبية مختلفة لتساعد في كيفية التعامل مع خريجي المدارس الطبية المختلفة في العالم .

3. إعادة النظر بآلية وكيفية وطريقة اجراء امتحانات البورد والاستعانة بخبرات الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا وألمانيا وغيرها بحيث يتم اختيار الأسئلة من بنك للأسئلة يتم إعداده من أطباء اخصائيين حاصلين على شهادات الاختصاص من دول أجنبية وبدرجة مستشار وأن لا يكونوا من أعضاء اللجان العلمية المشكلة بالمجلس والاستعانة بممتحنين أجانب ويتم تحييد العنصر البشري في الامتحانات ضمانا وتأمينا للنزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المتقدمين للامتحان دون محاباة وغيرها .

4. المادة (22/ب) من القانون الحالي تجيز للمجلس الطبي إصدار التعليمات المتعلقة بإجراء الامتحانات والتي جاءت بصيغة الاطلاق دون حاجة لتعديل القانون وهذا يعتبر مدخلا للتعامل مع الأطباء الحاصلين على شهادة البورد من الدول الأجنبية ويتم ذلك من خلال إصدار تعليمات من المجلس تحدد كيفية امتحانهم بشكل مختلف عن الأطباء المقيمين بمستشفيات المملكة الذين يتقدمون لامتحانات البورد بشقيه الكتابي والعملي بحيث يكتفي بمقابلة حملة البورد الأجنبي من لجنة ثلاثية يشكلها المجلس وتتسم بالكفاءة والموضوعية والحيادية ويتم الاستعانة بذلك بخبرات الدول المتقدمة في هذا المجال وهذا مبرر لسحب مشروع القانون ما لم يتم تعديله .

5. تفعيل دور مديرية المهن والمؤسسات في وزارة الصحة للقيام بمهامها وواجباتها بالرقابة على المهن الصحية بأكمل وجه بشكل مستمر وبحزم وفاعلية وعدالة من حيث التأكد من حصول حامليها على التراخيص والتصاريح اللازمة ورصد الأخطاء الطبية وحوسبتها .

6. تواصل وزير الصحة مع المجلس القضائي والاتفاق معه لتعيين قضاة متخصصين للنظر بالأخطاء الطبية .

7. الزام الاطباء بتقديم بوليصة تأمين سنوية صادرة عن إحدى شركات التأمين المرخصة لتغطية الأخطاء الطبية التي قد يتسبب بها أي منهم ويتم تقديمها للنقابة عند دفع الرسوم السنوية وذلك من خلال تعديل التشريعات ذات الصلة.

8. تفعيل نص المادة (18) من قانون المجلس الطبي الاردني التي تجيز للمجلس الطبي أن يعيد تقويم الاختصاصين العاملين في أي اختصاص طبي كل خمس سنوات .وذلك من خلال توفير ما يلزم لتحقيق ذلك من أدوات ووسائل بما في ذلك إنشاء مديرية مختصة بالمجلس لهذه الغاية.

وعليه وحيث أن هذا الموضوع هو قديم جديد ومتجدد ويحتاج الى معالجة لكونه يتناول شريحة كبيرة من الاطباء الحاصلين على شهادات الاختصاص من الدول الاجنبية والذين لم يحصلو على شهادة الاختصاص من المجلس الطبي (البورد) لأسباب عديدة ليست محل بحث وأن عددا من الاطباء العاملين في وزارة الصحة الحاصلين على شهادات إختصاص من دول أجنبية وغير الحاصلين على شهادة البورد الاردني قاموا ويقومون بعمل الاخصائي الحاصل على شهادة البورد الاردني والذي شكل ويشكل ذلك مخالفة للقانون وجريمة مستمرة تستوجب المساءلة لهم و/أو لمن قام بتكليفهم بممارسة عمل الاخصائي فإن ذلك يحتاج الى حلول قانونية عادلة منصفة تراعي صحة المواطن والسمعة الطبية للمملكة من جهة وانصاف الاطباء الحاصلين على شهادة الاختصاص من دول أجنبية والتي حصلوا عليها بعد دراسة أو تدريب منظم ومستمر وبإشراف ورقابة من أصحاب كفاءات عالية مذكرا أن التعليمات المشار اليها أعلاه أجازت للوزير السماح للطبيب الاردني الحاصل على شهادة الاختصاص من دولة أجنبية إجراء عملية خاصة أو تقديم مشورة داخل المملكة فهذا كاف ويكفي للاعتراف بشهادة الاختصاص الحاصل الطبيب عليها و وافق الوزير له على إجراء عمليه أو تقديم المشورة الطبية ولا جناح على الوزير إذا قام بإصدار التعليمات المذكورة وتطبيقها بكفاءة وعدالة بمنح مزاولة مهنة لحملة البورد الاجنبي أو الاستعاضة عن ذلك بإجراء امتحان خاص لحملة شهادة البورد الاجنبي وفق ما أشرت إليه أعلاه.

وهذا يتطلب معالجة ذلك بما يصب بمصلحة كافة الاطراف مجددا أن أطباء وزارة الصحة المشار اليهم أعلاه يحتاجون الى إنصافهم وذلك ليشعروا بالعدالة والانصاف والرضا الوظيفي وتعزيز ولائهم وانتمائهم لعملهم وذلك تفاديا من انعكاس ذلك على عملهم و إن ما توصلت اليه يستند للقانون والواقع ويحقق العدالة للجميع ويزيل الخوف والتخوف الذي أشار اليه البعض كما أنه يتفادى أية ردود فعل قد تحدث في حال إقرار المشروع بصيغته الحالية وبتقديري أن المشروع إذا تم إقراره بصيغته الحالية لن يدوم طويلا ، إذ سيتم تعديله للاسباب التي أشرت إليها آنفا والله من وراء القصد .

اترك رد