قراءة سريعة في مشهد الحرب الروسية-الأوكرانية
كتب م. مهند عباس حدادين
على أعتاب فصل الخريف يبدو أن الشتاء القادم سيكون ساخناً في جميع بقاع الأرض، فمن مسرح العمليات الروسية- الأوكرانية تريد روسيا خوض حرب حاسمة هذا الشتاء وذلك بإرسال 500 الف جندي روسي من أصل 2 مليون جندي روسي لمساندة الجيش الإنفصالي الذي يخوض العمليات العسكرية شرق أوكرانيا وعددهم 195 ألف جندي.
وبنفس الوقت عندما أرادت دول G7 في إجتماعهم الأخير وضع حد لسقف أسعار النفط والغاز الروسي الذي تستورده أوروبا، قامت روسيا بإغلاق إنبوب غاز نورد ستريم الذي يمتد 1200 كلم ليصل ألمانيا بحركة إستباقية لم تكن في ذهن القادة الغربيين، على إثره ضجت الشعوب الأوروبية وبدأت بالنزول إلى الشوارع لإستشعارها بالخطر الذي ستواجهه في هذا الشتاء القارص وطالبت بعدم التدخل بأوكرانيا لتجنب معاقبتها من قبل روسيا بحرمانها من الغاز، حيث قامت مظاهرات في التشيك التي تعتمد على 98% من الغاز الروسي وكذلك المظاهرات في بعض المدن الألمانية والتي تعتمد على 40% من الغاز الروسي، ناهيك عن توقف بعض الصناعات أوروبية عن الإنتاج كل ذلك وضع القادة الأوروبيين في مأزق.
وبعيداً عن أوروبا لنذهب إلى الشرق الأوسط، حيث تحاول الولايات المتحدة مع حلفائها الإسراع في توقيع الإتفاقية النووية مع إيران وذلك للإستفادة من الغاز والنفط الإيراني لسد الحصة الروسية التي حجبتها عن أوروبا وإعادة توازن النفط والغاز في العالم، وذلك بتجاهل المطالب والتخوف الإسرائيلي من هذه الإتفاقية لمحاولة إنقاذ أوروبا والعالم، حيث أن الحلفاء العرب من دول النفط وقفوا بالحياد أمام الأزمة الروسية – الأوكرانية وخصوصاً السعودية، وكان ذلك واضحاً من الزيارة السابقة لبايدن في قمة جدة، حيث كنت أشرت في مقال سابق إلى أحد الأهداف من الزيارة هو الحصول على الغاز وضمان زيادة الضخ النفطي.
ما حصل في إتفاق أوبيك بلس هذا الشهر هو زيادة متواضعة تكاد تكون تثبيت الإنتاج النفطي بعد مطالبة روسيا من السعودية بزيادة الإنتاج بتوقع غريب وذلك للحفاظ على أسعار العقود الآجلة مع الصين والهند وخصوصاً بأن روسيا تقدم أسعاراً تفضيلية لهما حيث أن المردود النفطي يدعم الإقتصاد الروسي المنهك من الحصار والحرب.
لنذهب إلى الشرق الأدنى، ونلاحظ الحكمة الصينية والتروي وضبط النفس بعدم الإنجرار إلى حرب أو حصار إقتصادي عليها بخصوص جزيرة تايوان رغم كل الإستفزازات التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة، لكننا في الجانب المقابل نرى أن الرئيس الكوري الشمالي يندفع بالولاء والإخلاص تجاه حليفته روسيا فهو على أهبة الإستعداد لإرسال 100 ألف عامل لإعمار شرق أوكرانيا في منطقة الدونباس الخاضعة لروسيا وبنفس الوقت يكونوا بجاهزية قتالية لمساندة القوات الروسية عند الضرورة، لا وبل وضع الرئيس الكوري مستودعات أسلحته التقليدية تحت التصرف الروسي.
إن جميع البقع الساخنة الثلاث السابقة جميعها تشكل خطراً كبيراً لإمكانية إشتعالها حيث أن اي منها يؤدي إلى إشتعال الآخر الشتاء القادم، فمفتاح الحل يبدأ عند الأوروبيين الأكثر حكمة بين الجميع بإعلانهم الفوري بعدم التدخل بأوكرانيا عن طريق الدعم العسكري وهذا وحده يرضي روسيا ويدفع بخطوات إيجابية لاحقة لجلوس الأوروبيون مع روسيا في تركيا لإنقاذ أوروبا من التفكك والإنهيار وترك أوكرانيا لحليفتهم الولايات المتحدة والتي بالتالي لن تستطيع أن تعمل شيئاً بدون الأوروبيين، مما يدفها للإلتحاق بالأوروبيين لحضور الإجتماعات وبدء المفاوضات في فصل الشتاء ليكون دافئاً داخل القاعة وليس في الخارج بلهيب الحرب.