الاتحاد الروسي .. إلى أين؟

50

كتب أ. د. عبدالسلام النابلسي

أربع محافظات أوكرانية هي الأغنى بالموارد الطبيعية والفحم وتمتلك أراضٍ زراعية خصبة بمساحة اجمالية تتجاوز ١٠٧ الاف كيلو مترا مربعا تم اعلان ضمها من طرف واحد اليوم للإتحاد الروسي، وهذا القرار الروسي يعد اكبر عملية ضم لأراضي اوروبية منذ الحرب العالمية الثانية جاء بعد اكثر من سبعة شهور من بدء العمليات العسكرية الروسية على الاراضي الاوكرانية، وستستخدم روسيا حق النقض ضد اي قرار صادر عن مجلس الأمن يدين ضمها لأراضٍ اوكرانية .

ولنعد قليلاً الى الوراء، فقد شهدت أوكرانيا منذ بداية العام ٢٠١٤ احتجاجات واسعة سميت بإحتجاجات الميدان الاوروبي ونتجت عنها سقوط الرئيس يانوكوفيتش الموالي لروسيا وانقسمت البلاد إلي قسم موالي للاتحاد الاوروبي وقسم آخر موالي لروسيا، الموالون لروسيا احتجوا على سقوط الرئيس (الذي لجأ لروسيا) وتظاهروا ضد السلطة الجديدة وتكونت احتجاجات عرفت باسم أزمة القرم ٢٠١٤ والتي نتج عنها استفتاء القرم والذي بدوره أعلن قيام جمهورية القرم والتي إنضمت إلى روسيا، وكذلك استفتائي دونيتسك ولوهانسك ٢٠١٤ والذي نتج عنهما اعلان قيام جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية.

استمر النزاع بين الانفصاليين وأوكرانيا خلال هذه السنوات مع تصاعد العنف والدمار من جهة وتزايد العنصرية والتفرقة بين مكونات المجتمعات في الشرق الاوكراني .

لعبت بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية دوراً كبير في تأجيج الصراع بين روسيا واوكرانيا، وانخرط الاتحاد الاوروبي ودول حلف الناتو أيضاً في هذا الصراع من خلال دعم اوكرانيا ماليا وعسكرياً وتقديم كل ما من شأنه إضعاف الدب الروسي ولو على حساب الوحدة الاوروبية من جهة، وأزمتي الطاقة والغذاء العالميتين من جهة أخرى .

كان من بين الشروط التي وضعتها روسيا لإنهاء عملياتها العسكرية ولم ترضَ بها اوكرانيا والغرب خلال المحادثات التي تمت بين روسيا واوكرانيا بعد أيام قليلة من بدء الهجوم الروسي على مدن اوكرانية عدة بما فيها مشارف العاصمة الاوكرانية، وتحديداً في بداية شهر اذار الماضي أن تعترف اوكرانيا بإستقلال دونيتسك ولوهانسك، ولم تسفر تلك المحادثات عن أي رغبة بالحوار، واليوم بعد اعلان انضمام اقليم الدونباس ( لوهانسك ودونيتسك) ومحافظتي خيرسون وزاباروجيا الى الاتحاد الروسي فإن أي اعتداء من قبل اوكرانيا على الاقاليم المنضمة يعتبر اعتداءً على روسيا الاتحادية حسب التصريحات الروسية وستدافع روسيا بكل الوسائل الممكنة، وبالتالي أصبحت القضية اكثر تعقيداً وينبغي أن تعيد الدول الداعمة عسكرياً النظر بنوعية الاسلحة ومداها تجنباً لردود الأفعال والاعتبارات الروسية.

اعلان الرئيس الروسي اليوم عن امكانية اجراء المفاوضات مع اوكرانيا شريطة قبول انضمام المحافظات الاربع الى الاتحاد الروسي والذي لاقى رفضاً سريعاً من الجانب الاوكراني، وبالتالي ستستمر الحرب وستتوسع دائرتها الى المحافظات الاوكرانية المجاورة مثل ميكولايف واوديسا جنوبا ودنيبرو وخاركوف وسومي شرقاً ، وإذا ما استطاعت روسيا إحكام سيطرتها على هذه المحافظات خلال فصل الشتاء القادم، فستعيد الكرة مرةً اخرى وتجري استفتاءات هنا وهناك لإنضمام اقاليم جدد للاتحاد الروسي، وستعلن روسيا وقتها عن رغبتها بإجراء المفاوضات مع اوكرانيا شريطة اعتراف الاخيرة بإستقلال الاقاليم الجديدة وانضمامها للاتحاد الروسي.

وعلى صعيد أزمة الطاقة، فإن احداث التفجيرات الاخيرة في بحر الشمال وتوقف خط نورد ستريم ١ عن ضخ الغاز الى اوروبا يصب في مصلحة دولتين هما الولايات المتحده الاميركية من جهة والدب الروسي من جهة أخرى، بينما ستقبع اوروبا في ازمات اقتصادية واعباء اجتماعية يصعب إدراكها في الوقت الحالي، وهناك تسابق محموم بين حكومات الدول الاوروبية منفردة على تأمين نفسها بالغاز قبل فصل الشتاء المخيف المرتقب، ولن يكون هناك حل دون قبول تشغيل خط نورد ستريم ٢ الذي رفضت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الاوروبي تشغيله .

في ظل التضخم غير المسبوق خصوصاً في اوروبا وبريطانيا والذي تجاوز عتبة ال ١٠٪؜ ، وفي ظل الاجراءات التجميلية التي اتخذتها تلك الدول لكبح جماح التضخم والتي لن تزيد الطين إلا بلة بسبب تراجع النمو وتوقف مفاجئ لأهم الصناعات بسبب الارتفاع الحاد في كلفة الطاقة والانتاج والتمويل والاقتراض وستشهد اوروبا تحديداً حالة ركود مستفحلة تمتد طويلاً.

من يستسلم أولاً؟، لن أجامل طرفاً ولكن سيستسلم اولا من لا يملك القدرة على الصمود أمام التحديات التي أمامه ، وبالتالي فإن الاتحاد الاوروبي يدرك اليوم أن تأجيج الصراع في اوكرانيا لن يعود عليها بالخير، وسيشهد العالم تغيرات مؤكدة في سياسات الاوروبيين قد تصل حد الخلاف بين أعضاء الاتحاد الاوروبي بسبب تبعات الموقف الاوروبي وقرارته المجحفة على مواطني هذه الدول .

لن يتراجع الاتحاد الروسي عن اي قرار يمس السيادة على الاقاليم التي تم ضمها مؤخراً، وأي تهديد لأمن روسيا سيشهد رداً مباشراً، ولن يتورط حلف الناتو بقبول عضوية اوكرانيا لأن ذلك يعني حرباً عالمية نووية لا تبقي ولا تذر .

الصدام العسكري الغربي الروسي أمر مستبعد، والدول الاوروبية غير مستعدة للجلوس الى طاولة المفاوضات في الوقت الراهن، ولكن إرادة الشعوب الاوروبية ستجبر حكوماتها قريباً على إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة التي تعصف بتلك الشعوب .

اترك رد