قمة أردنية عُمانية في مسقط

13
كتب السفير الدكتور موفق العجلوني
يغادرنا جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله يوم غدا بإذن الله في زيارة رسمية الى سلطنة عُمان تلبية لدعوة من أخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ، حيث تأتي هذه الزيارة تتويجا للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتفتح آفاقا جديدة ورحبة لمستقبل أفضل يخدم الشعبين الشقيقين.علاوة على التنسيق المشترك في كافة القضايا السياسية و الاقتصادية و التجارية و كافة المسائل ذات الاهتمام المشترك .

و في تصريح لسعادة السفير العماني الشيخ هلال المعمري ان هذه الزيارة سوف تتكلل بتوقيع عدد من الاتفاقيات و مذكرات التفاهم والتعاون، وإنشاء شراكات وصناديق استثمارية بهدف إيجاد فرص استثمارية واعدة بين البلدين الشقيقين في الأيام القادمة .

يعرف الداني والقاصي ان العلاقات الأخوية الأردنية العمانية ليست وليدة اليوم، ولكنها علاقات ضاربة في عمق التاريخ أسس جذورها كل من المغفور لهما جلالة الملك حسين واخية جلالة السلطان قابوس. و تواصلت مسيرة البناء وتعزيز هذه العلاقات برعاية أصحاب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين واخيه السلطان هيثم بن سعيد حفظهم الله و على كافة الجوانب السياسية و الاقتصادية و التعليمية والثقافية والعسكرية، علاوة على احتضان سلطنة عمان للجالية الأردنية والذين ساهموا اسهامات جليلة في كافة مناحي الحياة في سلطنة عُمان ، و بمختلف المجالات، ولاسيما في القطاعات الثقافية والتربوية والإعلامية.

ترتبط المملكة الأردنية الهاشمية وسلطنة عُمان الشقيقة بعلاقات تاريخية مبنية على الاحترام المتبادل والتقدير والمصالح المشتركة والتنسيق الدائم بين البلدين بما يتعلق بالعلاقات الثنائية العربية والثنائية الأوروبية والعلاقات الدولية المتعددة والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وتقف الأردن تجاه سلطنة عمان قيادةً وحكومةً وشعباً منذ بواكير نهضة عمان المباركة، مواكبة مسيرة الخير والبناء والتطور فيها. ولم تتوانى الأردن عن تلبية احتياجات السلطنة من الكوادر والخبرات المؤهلة في المجالات التربوية والاقتصادية والثقافية والطبية. بالمقابل كانت السلطنة ولا زالت الظهير والسند للأردن في مواجهة التحديات. ولم تألُوا جهداً في دعم قضايا المملكة. وقد أرسى دعائمَ هذه العلاقة التاريخية المتميزة المغفورُ لهما جلالة الملك الحسين بن طلال وجلالة السلطان قابوس بن
سعيد طيّب الله ثراهما.

هذا و قد استمرت هذه العلاقة المتميزة بين البلدين الشقيقين مع تولّي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، فقد ربطت جلالته بالمغفور له جلالة السلطان قابوس علاقات شخصية قوية متينة، وهي العلاقات نفسها التي ربطته بجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، واتسمت هذه العلاقات دائماً بتبادل وجهات النظر والتشاور والتنسيق حيال القضايا الثنائية والعربية والإقليمية و الدولية، وبما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين اللذين يقفان في خندق واحد لخدمة الأمة ونصرة قضاياها.

علاوة على التطابق في وجهات النظر بين البلدين حيال القضايا الأساسية العربية والإقليمية والدولية، فإنهما يشتركان في تبنّي نهج الاعتدال والوسطية السلمي والمتوازن الداعم للشرعية الدولية والقضايا الانسانية. ويتسم الشعبان الأردني والعُماني بتمسُّكهما بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة، وهو ما يَبرز في المشاركات الفنية التي تمثل كلّاً منهما في المهرجانات الثقافية للبلد الآخر؛ وبخاصة مهرجان جرش في الأردن ومهرجاني مسقط وصلالة في عُمان.

وفيما يتصل بالتعاون في المجال الاقتصادي، فتتمثل أهم الصادرات الأردنية إلى سلطنة عُمان بـ : الأدوية، والخضراوات والفواكه، والسجاد، والأسمدة الكيماوية، والمصنوعات من الحجر والإسمنت، والبلاستيك، والمعدات والآلات. أما أهم المستوردات الأردنية من سلطنة عُمان، فتتمثل بـ : الأسماك والقشريات، والرخام، ومحضّرات الأغذية، والمنتجات الكيماوية العضوية.

بنفس الوقت تحتضن سلطنة عُمان آلاف من المواطنين أردنيين الذين يعملون في مجالات مختلفة في القطاعين العام والخاص، و خاصة في المجالات التربوية والأكاديمية والتدريبية والهندسية والوظائف الإدارية والمالية في الشركات والمصارف والمصانع على طول وعرض الأراضي العمانية.

وفي مجال العلاقات الاكاديمية والثقافية، ساهمت الهيئات التدريسية الأردنية يداً بيد مع نظيرتها العُمانية في النهضة التعليمـة التي شهدتها السـلطنة في العقود الأخيرة، إذ يعمل في السـلطنة مئات المعلمين والأساتذة الجامعين، وهناك توجه إلى مزيد من التعاون في المجال التعليمي والأكاديمي والعلمي في ظل الإشادة بالمعلم الأردني وتميزه وقربه النفسي والاجتماعي من الطالب العُماني.

في المقابل هناك الالاف من الطلبة العمانيين الذين يدرسون في الجامعات الحكومية والخاصة الأردنية، وتسعى الجهات المعنية في المملكة إلى تهيئة الأجواء المناسبة لهم دراسياً وثقافياً واجتماعياً، كما يوجد برنامج تنفيذي للتعاون الثقافي بين البلدين، وآخر للتعاون التربوي يجدَّد كل ثلاث سنوات، ينظِّم ويؤطِّر علاقات البلدين الشقيقين في المجالين الثقافي والتربوي، وهناك أيضاً عملية ربط وتوأمة بين عدد من الجامعات العُمانية ونظيراتها الأردنية في كثير من التخصصات، علاوة على تبادل للبعثات الدراسية.

وتأكيداً على التمازج الثقافي والحضاري بين الشعبين الشقيقين، أُنشئت وحدة للدراسات العُمانية في جامعة آل البيت في عام ١٩٩٨، لتكون الأولى من نوعها في المشرق العربي ولتشكل جسر التواصل البحثي والأكاديمي بين الأردن والسلطنة، وتقوم الوحدة بعقد سلسلة من الندوات الدولية عن عُمان التاريخ والتراث والحاضر وعن العلاقات الأردنية العُمانية بصفة دورية، ويصدر عنها العديد من الكتب والدراسات ذات الشأن العُماني. وهناك أيضاً تعاون وتبادل مستمر للخبرات بين البلدين في المجالات الطبية والزراعية والإعلامية والأمنية والعسكرية.

وحقيقة لا ننسى النشاط الملحوظ لكل من أصحاب السعادة السفير العماني الشيخ هلال المعمري والسفير الأردني الزميل أمجد القهيوي في تعزيز العلاقات التنموية والاستثمارية بين البلدين الشقيقين، ولقاءات متعدد مع أصحاب الشأن في كلا البلدين وخاصة مجلسي النواب والشورى من اجل اخذ هذه العلاقة الى معارج التقدم والنجاح استرشاداً بتوجيهات القيادتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين.

و في الجانب الاستثماري العُماني ، تعتبر سلطنة عمان من أفضل الوجهات الاستثمارية في الشرق الأوسط ، لما تتمتع به من قيادة حكيمة و بيئة امنة و جاذبة للاستثمار و تشريعات تسهيلية للمستثمرين في كافة المجالات ، حيث توفر سلطنة عُمان لرجال الاعمال والمستثمرين والمؤسسات و الشركات والأفراد كافة التسهيلات من حيث الإقامة والعمل والاستثمار والزيارة. وتمتلك السلطنة المواهب المتميزة والقدرات البشرية المؤهلة والقادرة على مواكبة التحديات والتطورات في مختلف المجالات. وتعتبر طرق المواصلات والموانئ والمطارات في السلطنة من أفضل الطرق في العالم. ومن المعروف ان السلطنة أحرزت تقدماً كبيراً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتصنيع والأعمال ذات المستوى العالمي.

وتسعى سلطنة عمان وبتوجيهات مباشرة من جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد و من خلال” منصّة استثمر في عُمان ” و رؤية عمان “٢٠٤٠ ” التي تحتوي على ثلاثة محاور أساسية هي : الإنسان والمجتمع ، والاقتصاد والتنمية ، و الحوكمة والأداء المؤسسي. و ترتكز الخطة على تنويع الاقتصاد العماني بعيدًا عن عائدات النفط و هي خلاصة جهد وطني وتوافق مجتمعي وأن نجاحها مسؤولية الجميع دون استثناء كل في موقعه. وقال السلطان هيثم عند إطلاقه للرؤية ” إن رؤية عمان ٢٠٤٠ ” هي بوابة السلطنة للعبور للتحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو والثقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في كافة محافظات السلطنة. وتقدم المنصة حزمةٍ متكاملةٍ من التسهيلات والخدمات الالكترونيّة. كما توفّر تغطيةً لأهم الفرص الاستثمارية المتاحة، وهناك تواصل مباشرًا مع مختلف المؤسسات ذات العلاقة، كما ترحب المنصّة بمزيدٍ من الدعم عبر التواصل المباشر مع فريق العمل في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.

ومن هنا فقد أدى التطور الاقتصادي المتنامي لسلطنة عُمان إلى ظهور قطاعاتِ الأعمال المنتعشة والمتنوّعة، وتوفر هذه القطاعات المختلفة فرصًا استثماريّةً مهمّة تحقق عائداتٍ كبيرةٍ على المستثمرين. وهي فرصٌ متنوّعة ناتجةٌ عن سعي السلطنة إلى تطبيق استراتيجية التنوع الاقتصادي القائمة على تعزيز القطاعات غير النفطية.

وطالما عرفت العلاقات الأردنية العمانية بأنها علاقات متميزة ، اكتسبت خصوصيتها من العلاقة الشخصية التي جمعت بين المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله بأخيه جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله اللذين أساسا بنيانها على أعمدة وأركان راسخة وثابتة، لتستمر هذه العلاقات بنموذجيتها بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد ، لتنال كل الرعاية والاهتمام، لتثمر خصوصية العلاقة تطورا ونموا وتعاونا مستمرا بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتنموية.

ومن هنا تتعدد أوجه التعاون بين الأردن وعمان، ولعلّه من أبرز وجوه التعاون تأسيس اللجنة الأردنية العمانية المشتركة والتي تجتمع دوريا، حيث تعمل هذه اللجنة على تفعيل وتنفيذ الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون القائمة في المجالات الاقتصادية والتجارية والتربوية والثقافية والإعلامية والصحية والزراعية وغيرها، ودائماً تخرج اللجنة بنتائج طيبة تخدم مصالح البلدين الشقيقين في كل المجالات.

بالمقابل تمتلك سلطنة عمان قطاعاً خاصاً يتميز بالقوة والتنوع ويغطي عدة أنشطة منها الصناعة والزراعة والنسيج والتجزئة والسياحة، وتشمل صناعتها الرئيسية تعدين وصهر النحاس وتكرير النفط ومصانع الاسمنت. كما أنها تسعى إلى جذب المستثمرين العرب والأجانب في مجالات الصناعة، وتقنية المعلومات، والسياحة، والتعليم العالي. وتركز خطة التنمية الصناعية على موارد الغاز، وتصنيع الحديد، والبتروكيماويات، والموانئ العالمية. وتسعى سلطنة عمان جاهدة في خطط التنمية التي تركز على التنويع والتصنيع والخصخصة بهدف تقليص مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي.

وتشجيع المؤسسات العاملة في مجال السياحة والشركات الفندقية على التعاون المستمر وتشجيع سياحة الأفراد والمجموعات لزيارة البلدين وتبادل الخبرات لتحسين أداء الموظفين في قطاع السياحة. وتظهر الإحصائيات السياحية الأردنية، أن عددا كبيرا من السياح من سلطنة عمان يرتادون الأردن كثيرا بسبب المقومات السياحية الكبيرة التي يزخر بها الأردن .

فالأشقاء العمانيون يفضلون الأردن كوجهة للعلاج وذلك بفضل ما يزخر به الأردن من امكانات علاجية ممتازة . كذلك فالمستشفيات الصحية في سلطنة عمان تزخر بالكوادر الأردنية سواء في مجال الطب والتمريض أو في مجال الخدمات الصحية بشكل عام.

علاوة على ذلك ، هناك مشاركات متبادلة للوفود بين الأردن وعُمان من خلال معارض الكتب في كلا البلدين، ومهرجان مسقط و مهرجان صلالة، ومهرجان المسرح الاردني، وتنظيم اسابيع ثقافية مشتركة بين البلدين، ومعارض الكتاب، وأيام ثقافية مشتركة تلقى اهتماما من مواطني البلدين الشقيقين .

تتسم العلاقات الأردنية العمانية بالتشابه في الأهداف والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين والتسهيلات الاستثمارية القائمة بيم الأردن وعمان حيث تتوفر العديد من الفرص التي يمكن استغلالها لتعزيز التعاون بين البلدين في المجالات التنموية والاستثمارية في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية. وهنالك تواصل مع كافة المؤسسات في كلا البلدي و على رأسهما سفارة سلطنة عمان في المملكة و سفارة الأردن في السلطنة، و بذل كافة الجهود من اجل بلوغ الأهداف المنشودة. وبالتالي يبقى الدور على غرف الصناعة والتجارة و جمعيات رجال الاعمال في في كلا البلدين من اجل تكثيف الجهود من خلال تشجيع الزيارات المتبادلة للوفود الرسمية بين البلدين الشقيقين للوقوف على ارض الواقع بهدف تعزيز هذه العلاقات مستغلين بذلك العلاقات الطيبة بين البلدين الشقيقين و توجيهات القيادتين الحكيمتين، لتكون العلاقات الأردنية العمانية متميزة و متنامية و مستدامة و مثلاً عربياً ودولياً يقتدى به ، بحيث ترقى الى طموح كل من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين و أخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد والشعبين الأردني والعماني الشقيقين .

يتطلع الشعب الأردني والشعب العُماني الشقيق ان تحقق هذه الزيارة الملكية أهدافها بحيث تأخذ هذه الزيارة الملكية العلاقات الأردنية العمانية و بتوجيهات القيادتين الحكيمتين جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين واخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق الى ارقي معانيها .

والله ولي التوفيق.

اترك رد