عبيدات يكتب: في عيد المعلم العربي الأردني
كثيرة هي الأعياد التي نحتفل بها، ولكن عيد المعلم ليس بينها، فالمعلم لا “بواكي” له، وليس له جسد يدافع عن حقوقه التي ضاعت، وما زال يدافع عن حقوق بدائية مثل عودة المفصولين أو بمستوى أعلى تحسين أوضاع المعلم! وستتناول هذه المقالة ثلاث قضايا هي:
١-واقع البيئة التي يعمل فيها المعلم.
٢-ماذا يريد المعلمون؟
٣-ماذا نريد نحن من المعلم.
وقد رتبت هذه الموضوعات تقديرًا للمعلمين، فمن الظلم أن نطلب منهم قبل أن نعرف ظروفهم أو قبل أن نستمع إليهم!
أولًا: بيئة العمل
ليس سرًا أن نقول إن معظم المعلمين يعملون في ظروف صعبة، ومن يعمل منهم في ظروف مقبولة فإن أداءه يكون متفوقًا، ودليلي على ذلك أداء معلمي المدارس الخاصة والمدارس الحكومية “المعتنى بها”، وأداؤهم حين يعملون في دول الخليج، وأداؤهم في الدروس الخصوصية.
والبيئة التعليمية التي أقصدها تشمل البيئة الفيزيائية مثل أناقة المدرسة ونظافتها، وأناقة صفوفها وساحاتها ومرافقها، وهذا مهم بالتأكيد حيث أثبتت ملاحظات علمية وغير علمية أن المعلمين يرتدون ملابسهم وفق مستوى أناقة البيئة التي يعملون فيها. فحين كانت مدارسنا أنيقة حتى التسعينات كانت ملابس المعلمين أنيقة، قد يقلل بعض الناس من قيمة أناقة المعلم، لكنّ كثيرًا من الطلبة يقتدون ببعض نماذج المعلمين! كما أن من حق الطلبة أن يروا نماذج متنوعة من الأشكال والملابس، ومخطئ من يعتقد أن تعلم الطلبة واحترامهم للمعلم لا يتأثران بأناقة المعلم وسلوكاته الراقية في الحديث والحوار واحترام الطالب.
ولكل هذا، فإن تطوير البيئة هو تطوير لقضايا عديدة، فالناس يبدون سلوكًا مختلفًا وفق البيئات التي يعيشون فيها. هذا من حيث الشكل ، لكن في المضمون فإن البيئات التعليمية يجب أن توفر ثقافة مدرسية حداثية توفر فرص الإبداع والتطوير وقبول التجريب
والتسامح مع الأخطاء، وتشجيع إقامة العلاقات الشبكية مع معلمين وخبراء داخل المدرسة وخارجها. كما أنّ البيئة المدرسية يجب أن توفر الأمن المهني والحوافز والاعتراف بالإنجاز وتقديره بل والاحتفال به.
ولذلك، فإن من حق المعلم أن يعمل في بيئة لا تثير قلقه وتوتره.
وقبل أن نطلب من المعلمين تحسين أدائهم وأشكالهم يجب أن نطالب المسؤولين والمجتمع بتوفير بيئة ملائمة!
إذًا بغض النظر عن المستوى المادي والمالي للمعلم، فإن البيئة الأنيقة تطرد الفوضى وتفرض مستوىً من الأناقة والجمال.
ثانيًا: ماذا يريد المعلمون؟
يعلن المعلمون دائمًا أن مطالبهم تنحصر في توفير ظروف عيش ملائمة، ولعل مطالبتهم بالنقابة وسيلة للحصول على دخل مادي
كاف.
قد يكون المعلمون محقين في ذلك، لكنه -علميًا- لا يرتبط بتحسين الأداء أو المظهر. لقد حصل المعلمون على امتيازات عديدة وعلاوات ورتب دون أن ينعكس ذلك على تحسّن أدائهم، ولست أدري كم أسهمت “مكرمة” تسهيل دخول أبنائهم إلى الجامعات، أو أندية المعلمين، أو المزايا العديدة في العلاوات والصناديق وغيرها في تخفيف توتراتهم!!
لم نسمع عن معلمين طالبوا بالتنمية المهنية كشرط لتحسين أدائهم، أو طالبوا بتوفير مكتبات مهنية من أجل ذلك! في العلوم الإدارية لا ارتباطات عالية بين زيادات الرواتب على تحسين الأداء. هذا لا يعني أن الدخل المناسب ليس ضروريًا للحياة والعمل.!!
وبعيدًا عن العلاوات، فإن المعلمين يريدون الأمن الوظيفي المرتبط بالعدالة والمساواة والكرامة وقد أسميها”المواطنة المهنية”بمعنى أن يتعامل المعلمون وفق قواعد مهنية وأخلاقية عادلة دون تمييز.
كما يحتاج المعلمون إلى تنظيم تدخل المجتمع في أعمالهم، أو السماح لأي مواطن أن يدخل الصف والتحدث مع المعلم وربما تهديده أمام الطلبة!
يحتاج المعلمون إلى مدير ودود ومشرف غير مهدد وولي أمر طالب غير عدواني!
هذه هي مطالب المعلمين وهي بنظري واجبة التنفيذ كمتطلبات أساسية قبل أن نطلب منهم تحسين أدائهم وسلوكهم: مضمونًا وشكلًا.
ثالثًا: ماذا نريد نحن من المعلمين؟
إن الظروف في :”أولًا وثانيًا” على أهميتها يجب أن لا تبرر للمعلمين وضعها شروطًا لتحسين الأداء! لن نطلب منهم أن يكونوا أنبياءَأو رسلًا مع أن عيدهم هذا العام يتزامن مع عيد ميلاد الرسول الكريم صلى اله عليه وسلم! لكن بهذه المناسبة الجليلة نأمل من المعلمين ليس فقط تحسين الأداء والعمل بإخلاص ، بل بتطوير الأداء وإحداث نقلات أساسية فيه!
أفهم أن بعض المراكز والمؤسسات “ولأسباب عديدة” لم يحتفلوا كعادتهم بعيد المعلم هذا العام خلافًا للأعوام السابقة ،ولكن لا أفهم لماذا لم يحتفل المجتمع والجامعات، وكلية الملكة رانيا لتدريب المعلمين بهذا اليوم! فليس بالخبز وحده يحيا المعلم!!
برأيي أنً أحدًا ما لم يخطط للاحتفال بهذا اليوم- مع أن المعلم هو مبرر وجود مؤسساتهم جميعها- وذلك بسبب غياب الرؤية التربوية
لدى كثير من المؤسسات!
ولأن المعلم ليس في ذهن أحد منهم، وكأنهم لا يعون أن معظم مبررات وجودهم مرتبطة بالمعلمين!
لنترك هذا الجانب -وقديئست- من مجالس التعليم أن اشعر بعلاقتها مع المعلم أو العمل على تحسين ظروفه أو تطوير عمله، ولذلك أخاطب المعلمين بعد يأسي من “زعامات التعليم”!
أعزائي المعلمات والمعلمين:
هناك تغيرات أساسية في فلسفة التعليم واستراتيجياته ومبادئه وعلينا معرفتها والاستعداد لها، ان أتحدث عنها كلها، بل سأختار أبرزها وأنا على ثقة بأنكم سقف أي إصلاح ، فلن يحدث أي إصلاح لا تقبلون به، أو لا تتهيأون له:
١-لم تعد مهمتكم إعداد طلبتكم للامتحان في المعلومات التي نقلتموها طوال العام، أنتم تعلمون الطالب “كإنسان” وليس كمحتاج إلى المعرفة، وهذا الإنسان له حاجات عديدة تفوق المعرفة، بل إنّ المعارف كلها هي وسائل لبناء شخصية الإنسان ، هدفنا هو تنمية قدرته على العيش والحياة والتواصل وحل المشكلات!! هذا يتطلب تغييرًا في أساليب التدريس والتعامل والامتحان وثقافة العشرة الأوائل ، يتطلب تغييرًا أيضًا في الفلسفة والمناهج ومجالس التعليم المتعددة، تحتاج إلى من يعلق الجرس لإزعاج النائمين، ولا أرى أملًا إلّا بكم وبكنَّ.
٢-التعليم هذه الأيام ليس جهدًا فرديًا يقوم به معلم، إنه عمل “مجتمعات التعلم” التي تعمل من قبل مجموعات من المعلمين والمشرفين والخبراء، ولذلك نحتاج علاقات تشبيكية مع معلمين وخبراء داخل المدرسة وخارجها: تخطط معًا لتطوير التعليم وتخطيطه.
٣-التعليم الرقمي وعن بعد آتٍ لا محالة، ولذلك علينا أن نستعد له ونجعله خيارًا وليس مجرد إلزام.
هذه رسالتي في عيد المعلم
أكرر تهنئة كل معلم ومعلمة.