تمارا خزوز تكتب: قادة ومؤثري شبكات التواصل الاجتماعي
في مطلع آذار عام 2020، أنهيت مع فريقٍ بحثي ترأسته لعدّة أشهر دراسة معمّقة بعنوان “دور شبكات التواصل الاجتماعي في صناعة الرأي العام” لصالح المجلس الاقتصادي الاجتماعي، الذي لم يتسنَّ له نشرها– للأسف – لتزامن ذلك مع بداية تفشي وباء الكورونا في الأردن، والعالم بأسره.
أما علاقتي مع شبكات التواصل الاجتماعي فتعود بشكل احترافي إلى عام 2012، حين التحقت ببرنامج ماجستير “الصحافة والإعلام الحديث/ الرقمي” في معهد الإعلام الأردني؛ وهي الفترة نفسها التي شهدت فيها المنطقة أحداث الربيع العربي وتبعاته وكانت أول دليلٍ عملي بعد دراستي النظرية حول أهمية الثورة الرقمية وشبكاتها وأثرها على التحوّل العميق الذي سيشهده العالم في بنيته الاجتماعية والثقافية والسياسية لاحقاً.
ولعبت شبكات التواصل الاجتماعي بعد ذلك دوراً مركزياً سواء في اندلاع الاحتجاجات الشعبية في تونس ومصر عام 2011، أو في فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأميركية سنة 2012، أو في انتشار حركة Occupy wall street في الولايات المتحدة في السنة التي سبقتها، وفي إفشال الانقلاب العسكري بتركيا عام 2016، عندما ظهر الرئيس التركي أردوغان بواسطة الهاتف الذكي في حديثه لمراسلة شبكة سي إن إن، يطمئن الناس أنه ما زال في إسطنبول وكانت هذه الحادثة محورية في إفشال الانقلاب.
في خضم تلك الأحداث التحقتُ بعدّة منظمات ومؤسسات مجتمع مدني وشركات علاقات عامة بحكم عملي في وحدات الاتصال والإعلام وصناعة المحتوى، وكنتُ شاهدة عن قرّب على ما اقُترف من أخطاء على المستوى المحلي في التعامل مع قضية القادة والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي.
الحكاية بدأت بالتزامن مع الربيع العربي عندما تحولت الأنظار جميعها نحو شبكات التواصل الاجتماعي، وبات الناس ينظرون إما بعين الريبة أو الإعجاب لرواد هذه الشبكات، وبرزت الفروقات بين قيم المتابعين وأعدادهم على صفحاتها، لتتحول إلى ساحة منافسة شديدة الاستقطاب اختلطت فيها المعايير بين الناشط السياسي والاجتماعي وممثلي المنظمات غير الحكومية والوزراء الحاليين والسابقين والخبراء التقنيين والأكاديميين من جهة، وبين المؤثرين في مجالات أخرى بعيدة عن الشأن العام، حيث كان هناك بالطبع مؤثرين ومُتَابعين بأرقام كبيرة لصانعي المحتوى المتعلّق بالطعام والأزياء والرياضة.
ففي لحظة ما شُكّلت قائمة من قبل مسؤول حكومي أو شركة علاقات عامة أو صديق لمسؤول -لا أحد يعلم- اشتملت على أسماء كل هؤلاء المُتَابعين بغض النظر عن تصنيفهم، وأصبحوا جميعاً وفق هذا المنطق “مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي الأردنيين”.
وأضحت الدعوات توجّه لكل المؤثرين على كل المؤتمرات والمناسبات بغض النظر عن مدى فهمهم لموضوع المؤتمر أو محاور حديث الضيوف، وكانت تُحضّر لهؤلاء ما يسمى بـ “خطة النشر posting plan ” حتى يقوموا بالترويج لفعالية ما.
ولم يتنبّه أحد إلى عمق الإشكالية التي صدّرتها تلك القائمة “اللعينة” حيث فتح الفضاء العام لاشتباك كل من هب ودبّ ما دام يملك عدد كبير من المتابعين، وكان يدفع في بعض الأحيان ببعض هؤلاء المؤثرين ليخوضوا معاركَ لا ناقة لهم فيها ولا جمل من أجل الركوب على “التريند” والاشتباك مع الآخرين لأهداف معينة.
تجذرّت هذه الحالة وتفاقمت مع أزمات كبرى شهدتها البلاد، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي كابوساً للدولة والمجتمع معاً، وأصبحنا نصبح ونمسي على ورش عمل وحلقات بحث تحت عناوين مثل: “غياب الثقة في الخطاب الحكومي” و”شبكات التواصل الاجتماعي وآثارها السلبية على المجتمع”..، وغيرها من العناوين التي دفعت كثير من مؤسسات الدولة في البحث في ماهية هذه الشبكات الاجتماعية ومجتمعها الافتراضي وما هي الطريقة المثلى لمواجهة تحدياتها.
وبالعودة للدراسة التي افتتحت مقالي في الحديث عنها، فقد فرّقتْ بين “المؤثر” وبين “قائد” الرأي العام من خلال وضع معايير حددت الأنماط القيادية على مواقع التواصل الاجتماعي كونها “الأنماط المنتجة للمعرفة والمعتمدة على الأساليب العلمية في عرض الحقائق وتكثيف نشرها” وفرّقتها عن أنماط “التأثير العاطفية المعتمدة على أساليب الإثارة وبث الشائعات أو خطاب عنف أو كراهية” من خلال رصد أساليبهم المتبعة تجاه بعض القضايا التي شغلت الرأي العام الأردني في الفترة ما بين أيار 2018 و أيلول 2019.
وتمّت الإشارة فيها إلى بعض الشخصيات المعارضة، ولفت الانتباه إلى تعاظم تأثيرها الجماهيري الذي قد يشكّل أزمة للدولة في مرحلة ما! وبعض الشخصيات الأخرى ورد ذكرها، ولكن تحليل مدى تأثيرها كان خارج نطاق الدراسة لاستخدامها بعض المنصّات التي تحتاج موارد أوسع مثل اليوتيوب.
خلاصة القول إن الدولة اليوم لا تحتاج إلى التصدي للمحتوى الرديء وصانعيه لأنها ببساطة مهمة مستحيلة، بل إن ما تحتاجه حقاً هو السماح للمجتمع أن ينتج قادته من خلال ضمان حرية الرأي والتعبير، والتخلي عن تميكن من لا يجب تمكينه، وترك الحوار الحر المبني على حقائق ومعلومات يأخذ مجراه في الفضاء العام.