القرالة يكتب : حبس المدين ومعدل التنفيذ .. ما بين مؤيد ومعارض

109
كتب مرشد القرالة
لقد أثارت قضية حبس المدين الرأي العام ما بين مؤيد ومعارض، ومن هنا كان لا بد من التطرق لهذا الموضوع والإشارة إلى أهم النقاط الاساسية في هذه القضية .

إن حبس المدين وسيلة تهدف إلى الضغط على شخص المدين لحمله على تنفيذ إلتزامه، وذلك بحرمانه من حريته لمدة مؤقتة , وعالج المشرع الاردني مسألة حبس المدين في المواد من 22 – 25 من قانون التنفيذ الاردني, والجدير بالذكر أن حبس المدين لغاية الضغط عليه لتنفيذ ما إلتزم به وإن كان يتضمن حجزاً لحريته إلا انه لا يعد عقوبة جزائية بل هو وسيلة من وسائل ضمان التنفيذ يُقهر به المدين شخصياً ,ويترتب على ذلك أن حبس المدين لا يؤدي إلى إنقضاء الإلتزام المدني بل يبقى الحق للدائن بالمطالبة بحقه والحجز على أموال المدين بغية إستيفاء هذا الحق.

وللإجابه على كثير من التساؤلات حول هذه القضية، لا بد من الإشارة إلى أن حبس المدين كوسيلة للضغط عليه لإجباره على الوفاء يختلف كلياً عن العقوبة الجزائية التي تهدف إلى الردع والزجر ، ويترتب على إختلاف الحبس التنفيذي عن العقوبة الجزائية عدم تأثير العفو العام أو الخاص ورد الإعتبار والتقادم على حق الدائن بطلب حبس المدين إذا كان الضرر ناتجاً عن جرم جزائي، فكل من العفو العام والخاص ورد الإعتبار والتقادم يمس المسائل الجزائية دون المدنية فيبقى الحق الشخصي قائماً حتى لو سقطت دعوى الحق العام أو العقوبة الجزائية بالتقادم أوالعفو العام أو الخاص، وبناء على ذلك لا يمنع صدور قانون العفو العام الذي يترتب عليه زوال حاله الإجرام من أساسها في القانون الجزائي من الحكم للمدعي الشخصي بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجة إرتكاب الجرم ولا يمنع من إنفاذ الحكم الصادر بحبس المدين .

وعلى الرغم من أهمية حبس المدين كإجراء قضائي يتم إتخاذه بموجب قانون التنفيذ الاردني إلا أن هناك الكثير يطالب بإلغائه سواء أكانت هذه المطالبات من قبل الشارع الاردني أو من قبل القانونيين، وحجتهم في ذلك أن المملكة الاردنية الهاشمية قد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نص على عدم جواز حبس المدين لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي, ومن المستقر عليه في الفقه والقضاء الاردنيين أن نصوص المعاهدات الدولية تسمو على نصوص القانون العادي وتطبيقاً لذلك يعتبر ما ورد في العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية المشار إليه أعلاه هو الواجب التطبيق من قبل القضاء الاردني .

والجدير بالذكر أن المشرع الاردني وبموجب القانون المعدل لقانون التنفيذ رقم (9) لسنة 2022 تماشى مع ما ورد في العهد الدولي الخاص المشار إليه أعلاه حيث نصت الفقرة (و) من المادة رقم (22) من القانون على أن “لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي بإستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل” ويستفاد من هذا النص أن حبس المدين كإجراء قضائي أصبح مقيد بعدة شروط ومنها إثبات إمتناعه عن الوفاء رغم قدرته عل ذلك، ويستثنى من ذلك المدين بالتزامات مالية ناشئة عن عقد إيجار عقار أو عقد عمل، فيجوز للدائن طلب حبس مدينه دون الحاجة لإثبات إقتداره، ولعل السبب في وضع هذا الإستثناء من وجهة نظرنا يعود إلى كثرة إبرام عقود الإيجار في الوقت الحاضر في الحالة الاولى وحماية لحقوق العامل في الحالة الثانية ولصعوبة إثبات العجز والقدرة على الوفاء، أما في غير الالتزامات التعاقدية فحبس المدين جائزاً دون الحاجة لإثبات عجزه كالتزامه بالتعويض عن الفعل الضار، إلا أن هذا النص قد شابه الغموض ويطرح حوله العديد من الاسئلة وتدور حوله علامات الإستفاهم وأهمها، ما هي كيفية إثبات العجز عن الوفاء ؟.، وهل يعتبر العجز مفترض بحكم القاعدة العامة التي تفترض حسن نيه المدين وعلى المدعي إثبات عكس ذلك، أم أن على المدين إثبات عجزه عن الوفاء ؟.

ومع أننا نرجح الرأي الاول، نقول إن على الرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقق من المدين حول إقتداره على دفع المبلغ ، وسماع أقوال الدائن وبيناته على إقتدار المحكوم عليه واصدار القرار المناسب ، إلا أنني ما زلت أنتظر رأي القضاء الاردني حول هذه المسأله حيث يبدأ سريان أحكام الفقرة (و) من المادة (22) بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ أحكام قانون التنفيذ المعدل رقم (9) لسنة 2022 .

أما عن التعديلات الاّخرى التي طرأت على قانون التنفيذ الاردني بموجب القانون المعدل رقم (9) لسنة 2022،فكان أهمها عدم جواز حبس المدين إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المبلغ المحكوم به عن خمسة آلاف دينار ما لم يكن بدل إيجار عقار أو حقوق عمالية .

ورغم إنصاف المدين بموجب هذه التعديلات والإستجابة للضغوط الكثيرة من المطالبين، إلا أن هذا يشكل تعسفاً في حق الدائن ويؤثر بشدة على المعاملات المالية المدنية والتجارية، فقد شاع لدى الكثير فكرة إلغاء حبس المدين بالوقت الحاضر أو عدم إنتاجيته بشروطه المعقدة مما زاد من قلق الدائن ومن تردده في إبرام العقود القانونية وإجراء المعاملات المالية دون كفالة عينية أو ضماناً عينيا، ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر سلباً على مصلحة المدين حسن النية الذي يرغب حقاً بالوفاء بوقت الإستحقاق .

ورغم التصريحات المستمرة بأن الأردن يعرض عشرات الآلاف لخطر السجن ليس بسبب جريمة إرتكبوها، بل لحصولهم على قروض مالية لتغطية المتطلبات الأساسية مثل الإيجار أو الطعام أو العلاج الطبي، ورغم سلبيات حبس المدين، إلا أن إيجابياته لا يمكن إنكارها وأهمها ضمان حق الدائن ، وتخفيف شعوره بالقلق، والقضاء على تردده في إبرام العقود المدنية، والتسهيل على المدين حسن النيه الذي يرغب بالوفاء .

وفي خطوة سلبية من وجهة نظري وإيجابية من وجهة نظر الكثير ، وافق مجلس النواب في 26 أبريل/نيسان على تعديل قانون العقوبات الاردني الذي رفع الحمايه الجزائية عن الشيكات البنكية ، والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات من إقراره مما يفتح مجالاً واسعاً لإرتكاب جرائم الإحتيال وزياده المطالبات المالية والتأثير السلبي خصوصاً على عالم التجارة وإضعاف الثقة بقوة القانون حيث تعتبر هذه الجريمة (إصدار شيك لا يقابله رصيد ) والمعاقب عليها بموجب المادة رقم (421) من قانون العقوبات الاردني رقم (16) لسنة 1960 من أكثر الجرائم شيوعاً وأجدرها بالعقاب .

وفي خطوة سلبية اّخرى كانت نتيجة التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية التي واجهتها المملكة بعد تفشي فايروس كورونا وإستجابة لضغوطات إنهاء حبس المدين، أصدر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قراراً بتجميد توقيف الأشخاص لعدم سداد الديون المالية، وذلك بموجب أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021، الصادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 وفي خطوة سلبية آخرى أصدر رئيس الوزراء الاردني الدكتور بشر الخصاونة قراراً يتضمن تمديد العمل بمضمون أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021، الصادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 حتَّى تاريخ 31/ 12/ 2022م، ويأتي القرار إستمراراً لمراعاة الظّروف المالية والاقتصادية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا مما أثر وسيؤثر سلباً على الإقتصاد الوطني والمعاملات المالية المدنية والتجارية وحجم الثقة المتبادلة بين المتعاملين .

لقد كان أمر الدفاع المشار إليه أعلاه محط جدل كبير في الأوساط القانونية والقضائية وتجاذب بين مؤيد لتمديد العمل فيه في ضوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تفشي فايروس كورونا وآخرين يطالبون بوقف العمل بأمر الدفاع بحجة تعطيله لتحصيل الحقوق بين المتخاصمين مالياً وقضائياً، ونحن لسنا مع التضييق على المدين ولكننا نؤمن بضرورة حبس المدين لإيجاد طريق قانوني لضمان وتحصيل حق الدائن، وضرورة التمييز بين المعسر الحقيقي وبين الاحتيال، مشيراً إلى أن البعض إستغل أمر الدفاع وإمتنع عن سداد الديون المترتبة بحقه بذريعة عدم حصوله على عمل، الأمر الذي منع الدائن من تحصيل أمواله.

وشدد البعض على تأييدهم تمديد أمر الدفاع لأن الأوضاع المالية للمواطنين خلال هذه الفترة تتطلب الإستمرار بتجميد حبس المدين إلى وقت تتحسن فيه قدراته المالية على السداد.

ونحن بدورنا نؤكد أن رغم أهمية رعاية مصلحة المدين إلا أن مصلحة الدائن أولا بالرعاية وأن تعديل قانون التنفيذ وقانون العقوبات قد منح الحماية والرعاية الكافية للمدين ولم يعد هناك حاجة لتمديد أمر العمل بأمر الدفاع رقم (28)، لا سيما أن هذا التمديد يشكل مساساً واضحاً بحقوق الأردنيين المالية، ومخالفة صريحة لما جاء بالإرادة الملكية السامية التي أمرت بالعمل بقانون الدفاع في أضيق نطاق وضمان إحترام الملكيات الخاصة ويشكل تعطيلاً لأحكام المحاكم المكتسبة للدرجة القطعية ومساس صارخ بحقوق المحكوم لهم دون أي مبرر.

اترك رد