الهلسا يكتب : عودة إلى موضوع تحديث القطاع العام

41
كتب د. عوني إبراهيم الهلسا
في المئوية الأولى كانت الإدارة الأردنية يُضرب بها المثل في كفاءتها وفعاليتها؛ الأمر الذي دفع دول الخليج العربي إلى الاستفادة من الخبرات الأردنية في كافة المجالات، وكان لها دور فاعل في نهضة وتطوير تلك الدول، إلا أن الأمور اختلفت وبدأت الإدارة في القطاع العام بالتراجع خاصة في نهاية عقد الثمانينات، وبالرغم من محاولات تطوير وتحديث القطاع العام وخاصة اللجنة الملكية للتطوير الإداري والتي تشكلت في مطلع التسعينات على ما أعتقد وكذلك إحداث وزارة للتنمية الإدارية وبعد إلغائها وزارة لتطوير القطاع العام والتي تم إلغاؤها لاحقًا لم تُقدم اللجنة الملكية ولا وزارة التنمية الإدارية أو وزارة تطوير القطاع العام خطط محددة للتطوير الإداري ومع ذلك زاد تراجع الآداء في الإدارة العامة.

أما في المئوية الثانية؛ أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني مشروع نهضوي يرتكز على ثلاثة محاور وهي التحديث السياسي والاقتصادي وتحديث القطاع العام.

عملت حكومة الدكتور بشر الخصاونة على وضع خطة لتحديث القطاع العام وتضمنت الخطة عدة محاور وهي: الخدمات الحكومية، الإجراءات الرقمية والهيكل التنظيمي والحوكمة والثقافة المؤسسية ورسم السياسات والتشريعات والموارد البشرية.

جميع هذه المحاور لها أهمية قصوى في عملية تحديث القطاع العام وما وضعته الحكومة (اللجان الوزارية) من أهداف وإجراءات تحتاج إلى دراسة وتحليل وحوار مع المختصين؛ لأن التحديث يتطلب اشراك شريحة واسعة من المختصين في كافة المواقع وخاصة الجامعات لضمان النجاح.

يُعتبر محور الموارد البشرية له أهمية قصوى ويجب أن يُولى الاهتمام الخاص من قبل الحكومة وهو بمثابة رأس مال بشري المسؤول عن تقديم الخدمات للمواطنين بكفاءة وفعالية؛ وتحقيق أهداف الوزارات والمؤسسات العامة المختلفة وقد أحسن صُنعًا ديوان الخدمة المدنية في عرض استراتيجية شاملة لإدارة الموارد البشرية، وجاء في هذه الاستراتيجية مراجعة بطاقات الوصف الوظيفي للوظائف في الخدمة المدنية بحيث تكون مبنية على الكفايات والذي يُعتبر من أهم مرتكزات العملية التطويرية لإدارة الموارد البشرية في القطاع العام.

في الواقع إن الوصف الوظيفي محور هام في عملية التطوير، وهذا يتطلب مراجعة شاملة لتخصصات ومستوى مهارات العاملين في القطاع العام وهذه العملية تحتاج إلى متخصصين ووقت وجهد ليست بقليلة إذا أخذنا في الاعتبار أن عدد الموظفين في القطاع العام أكثر من 220 ألف موظف، إضافة إلى ذلك قد يكون هناك عدد غير قليل من الموظفين لا يعملوا حسب تخصصاتهم في الوظائف التي تم التعيين عليها من البداية؛ لأن الوصف الوظيفي يحتاج إلى تحديد مواصفات لشاغل الوظيفة وبالتالي قد يحدث تعارض بين شاغل الوظيفة الحالية ومتطلبات بطاقة الوصف الوظيفي.

إضافة إلى ذلك تحتاج إدارة الموارد البشرية الحالية في القطاع العام إلى تطوير مهاراتهم واتجاهاتهم نحو أهمية الخدمة العامة، ووضع خطط للإحلال التعاقبي لمعرفة أي من العاملين يستطيع إشغال مراكز وظيفية متقدمة، وهذا يحتاج إلى وضع خطط للتدريب وليس كما هو متبع في المعاهد ومراكز التدريب حاليًا، ويتطلب ذلك معرفة مدى استعداد الموظفين إلى التحديات الجديدة والتي قد تكون خارج أدوارهم الحالية خاصة أن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة تبذل جهودًا مميزة في تحقيق متطلبات الحكومة الإلكترونية.

التطوير والتحديث يتطلب أخذ كل جهاز حكومي على حدة وإعادة هيكلته بما يتوافق مع غاياته وأهدافه، وما هي الإدارات الأساسية وكذلك المساعدة وما هي الوظائف التي تحتاجها كل إدارة وبعد ذلك وضع وصف وظيفي يتناسب مع الوظائف المطلوبة وما هي مواصفات شاغل كل وظيفة؛ العملية ليست سهلة وهناك العديد من التحديات.

أتمنى للعاملين في مشروع تحديث القطاع العام النجاح، وأن يلمس المواطنين هذا التحديث.

اترك رد