الشرفات يكتب: أمانة المسؤولية وبوح الملك
كتب د. طلال الشرفات
التوجيهات الملكية السامية التي عبّر عنها جلالة الملك -حفظه الله- في لقائه بالحكومة وترأسه لجانب من جلسة مجلس الوزراء حملت أكثر من رسالة ومضمون تُوجت في ملاحظتين هامتين: أولاهما، أمانة المسؤولية الوزارية واستحقاقات الثواب والعقاب في أدائها. والثانية، تحديات الوطنية الأصيلة والمواطنة الفاعلة في الأداء الاقتصادى والسياسي وما يُرافقها من مسالك التَّهرب غير المسؤول والهروب المقيت، والظَّن بانعكاس الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها الظروف الطارئة، والحروب والأزمات على الاستقرار الوطني، والتحديات الجسام التي صمد في وجهها الوطن بقيادة حكيمة، وإصرار عنيد، وعزيمة لا تلين في تجاوز الأزمات والمواقف.
المسؤولية السياسية للوزراء، وأعيان الوطن ونوابه، ورجال الدولة في كافة المواقع الرسمية والشعبية يجب أن ترتقي إلى مستوى نبل القائد وحرصه الدؤوب في النهوض بهذا الوطن وخدمة أبنائه، وتمثُل شرف المسؤولية، وأخلاقيات التكليف، وقداسة القسم بالإخلاص للملك والوطن والدستور والأمة، والقيام بالواجبات الموكولة بكل أمانة وإخلاص، والتجرد من الرغائب، والمصالح، والأحقاد في كل قرار، أو تكليف، أو مهمة، أو رأي يُسند إلى هذا المسؤول أو ذاك.
جلالة الملك انتصر لوعينا الجمعي، ولفت الانتباه لمخاوفنا المشروعة والمتمثلة في تغليب الخاص على العام، والمصالح الشخصية الضيقة على المصالح العليا للدولة، وغياب الانتماء في بعض مظاهر السلوك الاقتصادي والسياسي، والرهان المبتذل المغادر لكل مساحات الوطنية الحقّة بأن الأمان الاقتصادي والاستثماري هو خارج أسوار الوطن، هذا الوطن الذي منح أبنائه الكرامة والأمن والاعتزاز رغم كل المؤامرات، والدسائس، والضغوط السياسية، والاقتصادية الثقيلة، والمؤامرات التي تحاول النيل من تطلعات وطننا الحبيب ورسالته الكبيرة.
روح الفريق الواحد الذي ينقل الوطن إلى مستوى طموحات القائد؛ لا يعبث به سوى الشللية، والمحسوبية، والوقيعة والمصالح الضيقة، وهذا يوجب على مؤسسات الرصد الوطني أن تصدق القائد بتلك الممارسات حيثما وجدت؛ لتمكين المؤسسات من أداء واجباتها الوطنية بكل مسؤولية وثبات. وأن انسحاب المتخاذلين من أروقة الحكم، ومفاصل السلطة لا يتأتى دون وجود أدوات جريئة، وصادقة وموضوعية تتسم بالشفافية والنزاهة، ورجال حكم شرفاء يَصْدِقون القائد بدِّقة دون مواربة أو إخفاء.
كي ينجح رئيس الحكومة في تنفيذ التوجيهات الملكية عليه أولاً أن يضع جلالة الملك في صورة المنغصات الفعلية لأداء المهام دون تجميل أو تسطيح “ان وجدت” وفي مقدمتها عوائق التعاون بين مؤسسات الدولة بصراحة، والمماحكة غير المعلنة والتي يصعب إثباتها أحياناً أو الحديث بشأنها بين بعض مفاصل السلطة، ودوائر القرار المتوسط، ومظاهر الشخصنة اللعينة التي يمارسها البعض بعيداً عن أمانة المسؤولية، وتفكيك التحالفات التي تعمل دون ضمير يعكس سمو الثقة التي أوليت لها، والإدراك بأن الاستثمار أولوية لا يمكن أن تنجح بعيداً عن إدراك تحديات المنافسة المشتعلة في المنطقة والإقليم.
رئيس الحكومة نجح في ضبط إيقاع فريقه بحزم ودون خلافات، ومجلس الوزراء منسجم في سياساته وقراراته ويمارس دوره بهدوء مطلوب، والحكومة قطعت أشواطاً في التحديث الأقتصادي والإصلاح الإداري، والمرحلة القادمة ستشهد قرارات جريئة في فتح آفاق الإستثمار، وانفتاح أكبر على الإعلام، ولكنها بحاجة إلى مواجهة تيار جديد هجين يسعى لإعادة برمجة القرار الوطني والتأثير به بصلافة واستقواء لا يليق بنسيجنا الوطني القائم على الحب والإخلاص الفعلي للوطن والقيادة.
بوح الملك وتوجيهاته هي البوصلة الوطنية الشريفة التي تأخذنا إلى مواطن العفة الوطنية وأخلاقيات الممارسة، وتجاوز الصعاب مرهونة بحكمة رجال الدولة واخلاصهم، “والذين لا يتذكرون الماضي مكتوب عليهم أن يجربوه مرة أخرى”.
وحمى الله الوطن وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.