الشرفات يكتب: ارتماء النخب ومبررات الغضب
كتب د. طلال الشرفات
ما كنت لأكتب لولا ان بلغ السيل الزبى في أمر أضحى مدعاة للغضب والضرر، أمر تجنبنا الخوض فيه حرصاً على وطننا ومصالحه العليا ومساحات حسن النوايا التي ضاقت وتلاشت في عالم أصبح يلفظ المبادئ لحساب المصالح، عالم مبعثر يصح فيه القول أن انج سعد فقد هلك سعيد، نعم ما كنت لأكتب لولا هذا الارتماء المقيت لبعض النخب المدانة على اختلاف نواياها في أحضان السفارات ومؤسسات الرصد الأجنبي دون أدنى اعتبار لحرج الدولة ودقة وحساسية موقفها، وحرصها على إكرام الضيف وتجنب إحراجه إلا إذا كان الأمر يتعلق بمهام رسمية أو وطنية تكون بعلم الدولة وإشرافها.
في العلاقات الدولية ثمة ضوابط وقيم راسخة يتوجب الالتزام بها، والدولة – أي دولة – ليست قاصرة على لجم السلوك المقلق وفقاً للاتفاقيات والأعراف الدولية، ولعل سجايا الدولة الأردنية الشريفة في التعامل الأخلاقي الراقي مع كافة البعثات الدبلوماسية والمنظمات الأجنبية تحمل أكثر من رسالة أهمها أن الأردن القوي بمواقفه ومبادئه ومؤسساته يسعى دائماً للوفاق العاقل، وحسن تقدير الآخرين، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وعدم قبول التدخل في شؤونه، وضرورة احترام قواعد الفضاء الدبلوماسي الرحب.
ليس لائقاً من النخب التي تصنف نفسها نخب وطنية سواء كانت من المعارضة أو الموالاة أن تضع الدولة أمام خيارات صعبة، وأن تضطر لمتابعة سلوك نخبها تجاه الغير؛ في الوقت الذي يفترض أن تتصدى فيه تلك النخب لمصالح الدولة العليا بحرص وحذر منقطعي النظير، سيما وأن النفس الأردنية الأبية السويّة تأبى الاهتمام الممنهج، وتأنف مجاملة الأجنبي على حساب تحديات الوطن ومخاوفه المشروعة في الاستهداف أو محاولات النيل من مواقفه الثابتة، وموقعه الجيوسياسي وتحدياته السياسية والاقتصادية.
الارتماء العبثي أو الممنهج له أثمان عالية في الصمود الوطني وأنفة الدولة، ومجاملات البوح المنفلت يتم استثمارها عادة بتقارير أمنية للغير، واستجداء المنفعة بهات يقصم طبيعة الشخصية الوطنية الواثقة، وبقضم بقايا احترام النخب الحية التي يتوجب أن تكون رصيداً للدولة لا عبئاً عليها، فالأردن وطن الحلم والصبر والرزانة والوقار يؤلمه هذا السلوك المهترئ، ولكنه يدرك أن الحكمة تقتضي الصبر بعض الوقت قبل أن تضطر لصنع رحىٍ للريح لهؤلاء تتحدث عنها الركبان.
انتهاز اللحظة والظرف؛ إمعان في الصلف المكشوف، وتذاكي الهواة سلوك لن يؤذي الا صاحبه؛ لأن الدولة قوية، وتدرك نتاج هذا السلوك ومآلاته المدانة، وتقزيم الموقع العام بمجاملات وارتماء لا يليق بشرف المسؤولية؛ هو انكفاء صوب الذل الظرفي المؤذي لمشاعر الاعتزاز الوطني التي يتوجب أن ترافق النخبة الوطنية الشريفة حتى في أحلك الظروف. والدولة مطالبة اليوم ودون إبطاء بلجم تلك الفئة المنزلقة بقصد أو بدونه نحو مساحات الضرر الوطني قبل أن نندم وعندها لن ينفع الندم.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.