راقصة باليه تونسية تحول الشارع إلى مسرح لعروضها

55
أخرجت الباليه من برجه الزجاجي، إذ يعتبره كثيرون فنا نخبويا، وسافرت به ‏إلى شوارع العاصمة التونسية المفتوحة، حيث الجماهير من كل لون وجنس وفكر.‏
هي راقصة الباليه التونسية، نسرين بن عربية، التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بصورها، وهي ترقص حافية القدمين على حبل الإبداع، في أماكن لم يعهدها التونسيون مخصصة للفن.
تختلط نسرين (25 عاما) بالناس في الشوارع والأزقة، وتشكّل معهم لوحات فنية رسمتها بأنامل قدميها وبجسدها الحر، وبأدائها الذي يضجّ بالحياة والأمل، لا تبالي بهمسات الناس ولا بنظراتهم المعجبة حينا والمتعجبة حينا آخر، فجميع حواسها منهمكة في الرقص.
الباليه يخرج إلى الشارع
تؤمن نسرين التي عرفت الرقص الكلاسيكي منذ ربيعها العاشر، بأن الباليه لا يمكن أن يظل سجين أروقة المسارح ودور الفن، أو أن يكون مقتصرا على فئة مجتمعية بعينها. فحوّلت شوارع العاصمة إلى مسرح مفتوح لأعمالها، وكسرت بذلك الصورة التقليدية للباليه.
تقول لـ”سبوتنيك”: “أعتقد أن الفن والرقص على وجه الخصوص يجب أن يكون قريبا من الناس، وأن يذهب إلى الجمهور أينما وُجد سواء، كان ذلك في الشوارع المفتوحة أو في الأزقة، أو بين ثنايا المناطق الأثرية أو بين عربات المترو”.
وتشير نسرين إلى أن “قصتها مع الرقص في الشارع بدأت بفكرة، أوقدها في عقلها صديقها المصور الفوتوغرافي، محمد الشرميطي، الذي تعودت أن تتقاسم معه الصور الراقصة منذ عام 2017”.
وتضيف: “يبدو الأمر مختلفا عن قاعات العرض، فخلف أروقة الشوارع تختبئ حكايات كثيرة”.
يتوقف الناس كثيرا لمشاهدة راقصة الباليه الشابة، التي أطلقت العنان لتخيلاتها الإبداعية، فأنتجت مشهدا متناسقا استهوى اهتمام المارة، الذين يتجمهرون حولها، وكأنهم ينتظرون خاتمة المشهد.
تقول نسرين: “يقود الفضول بعضا من هؤلاء لمعرفة هذا الفن، الذي يبدو غريبا بالنسبة لفئات واسعة من التونسيين، فتراهم يصفقون أحيانا ويقتربون أحيانا أخرى لطرح الأسئلة”.
ولكن الوضع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يبدو مختلفا عما هو في الواقع، إذ تتلقى نسرين تعليقات سلبية على صورها الراقصة من نشطاء تونسيين، ومن جنسيات عربية.
وتشير:
“في وطننا العربي ما يزال البعض يفكر بأن المرأة لا يجب أن تخرج إلى الشارع، فما بالك بأن تمارس الباليه بين العامة”، وتؤكد أن هذه التعليقات لا تحبط عزيمتها.
الباليه.. أسلوب حياة
عادة، ما تنطلق قصة الناس مع الرقص أو غيره من الفنون الأخرى بحكاية شغف، ولكن قصة نسرين بن عربية مع الباليه بدأت بشكل مختلف، فهي لم تختر أن تكون راقصة باليه وإنما كتب هذا الفن في قدرها منذ كانت طفلة.
وتقول:
“بدأت قصتي مع الرقص الكلاسيكي منذ أن كنت في سن العاشرة، ولم يكن اختياري الخاص بل اختيار عائلتي التي دفعتني إلى الانخراط في نادي لتعلم الرقص”.
قضت نسرين 8 سنوات في تعلم الرقص الكلاسيكي في محافظتها نابل (الشمال الشرقي)، قبل أن تنتقل إلى العاصمة لدراسة القانون العام، ولكنها لم تتخلَ عن الرقص، الذي تقول إنه تحوّل تدريجيا إلى أسلوب حياة بالنسبة إليها، وفقا لتصريحاتها لـ”سبوتنيك”.
وبالتوازي مع تعليمها الجامعي، خاضت نسرين تجربة الرقص المعاصر مع الكوريغرافي التونسي، عماد جمعة، الذي شاركت معه في عروض في تونس وخارجها، فأوصلها فنها إلى مهرجان “أيام قرطاج الكوريغرافية”، وإلى مهرجان “فيدو” في بوركينا فاسو.
وتتمسك نسرين بن عربية، التي تُدرّس اليوم الرقص الكلاسيكي والمعاصر بفنها، وتسعى إلى أن يتدفق إلى ثقافة التونسيين، فهي تجيب برحابة صدر عن أسئلة المارة الذي يستفسرون عن طرق تعلم الباليه، وما إذا كان قطار التعلم قد فات من هن في سن الشباب.
وتقول الفنانة الشابة: “الباليه هو ما يجعلني أتنفس وسط زحمة الحياة.. هو ما يُنعش روحي ويبهج ذاتي”.

اترك رد