الأردن، إعادة هيكلة تعرفة المياه في سبتمبر

56

في الوقت الذي أكدت فيه الحكومة قيامها بالإعلان عن خطة إعادة هيكلة تعرفة المياه في غضون أيلول (سبتمبر) المقبل، تشي تسريبات بتوجه وزارة المياه والري لتبني الخطة تتمثل في “تخفيض كمية المياه المفوترة لدى الشريحة الأولى من مشتركي المياه، أو المقطوعية، إلى كمية أقل”.

وقال مصدر مطلع، طلب عدم ذكر اسمه، إن الملامح الأولية لخطة إعادة هيكلة تعرفة المياه؛ تكمن في خفض “مقطوعية” المياه المعمول بها حاليا لدى الشريحة الأولى والبالغة من صفر إلى 18 مترا مكعبا، وهي الشريحة التي تشكل ما نسبته 65 % من الفواتير الصادرة إلى مشتركي المياه على مستوى المملكة، إلى حجم أقل، دون تحديد رقم محدد حتى الآن.

وأضاف المصدر أن “لجنة التنمية الاقتصادية والتابعة لمجلس الوزراء، تنظر حاليا في اعتماد الموافقة على إصدار الفاتورة الشهرية بدلا من الربعية، أي الصادرة كل ثلاثة أشهر، توازيا والنظر في خطة إعادة هيكلة تعرفة المياه”.

وفيما أعلنت الحكومة عن خطة إعادة هيكلة تعرفة المياه في غضون شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، جدد المصدر تأكيده؛ أن “إصدار أول فاتورة شهرية، ما يزال في موعده المحدد والمعلن سابقا، وهو مطلع الشهر ذاته”.

وأشار المصدر للمضي حاليا في مرحلة التقييم الفني للعطاءات التي تم طرحها لعملية الفوترة الشهرية، أو الدعم بقراءة العدادات شهريا، بمشاركة القطاع الخاص إلى جانب كوادر وزارة المياه والري وشركات المياه وتحت إشراف تلك الشركات.

وأكد نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وزير الدولة لتحديث القطاع العام، ناصر الشريدة، في تصريحات صحفية صدرت أخيرا، أن الحكومة ستعلن عن خطة إعادة هيكلة تعرفة المياه في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل.

وقال الشريدة، في تصريحاته السابقة، إن الحكومة شكلت فريقا وزاريا يعمل على الخطة “وما تزال في بداية الخطة”، مضيفا “ليس لدي أي مؤشرات حقيقية حول هذه الخطة”.

وأوضح الشريدة أن “الحكومة لم تتراجع عن الفاتورة الشهرية لكن بسبب التحديات الفنية تم تأخيرها”، منوها لأن “الفاتورة الشهرية ستنعكس إيجابا على المواطن وقطاع المياه”.

وكشفت تسريبات خلال آذار (مارس) الماضي، عن توجه وزارة المياه والري، رفع أسعار تعرفة المياه على نحو ضمني عن طريق الفاتورة الشهرية التي تأجل بدء تطبيق إقرارها، بدلا من الفاتورة الربعية الحالية (كل 3 أشهر)، حتى أيلول (سبتمبر) المقبل.

ويعد التوجه الحكومي ليس جديدا، لكن تعدد التصريحات الصادرة عن وزارة المياه والري ومنذ إعلانها، وبشكل مفاجئ، نهاية العام الماضي، عن البدء بإصدار فاتورة شهرية للمياه، اعتبارا من مطلع العام الحالي، وهو ما تأجل تطبيقه حتى الآن؛ لأسباب ترتبط بعدم جاهزية الترتيبات اللوجستية المسبقة لتنفيذ هذا القرار، وفق التسريبات؛ تأرجحت بين نفي ارتباط هذا القرار برفع أسعار المياه أو حتى تعديلها، ووجود اتساقات لاتخاذ قرار الرفع اللازم لتغطية التكاليف التشغيلية للمياه.

ووسط هذا التناقض، ألمح المصدر حينها الى أن “رفع التعرفة لن يكون منفردا”، مرجحا أن “يترافق مع الفاتورة الشهرية، والتي كان من المقرر العمل بها مطلع العام الحالي، ثم تأجل لغاية الشهر الحالي، ليؤجل مرة أخرى إلى أيلول (سبتمبر) المقبل”.

وكانت التسريبات أشارت لاتفاق أبرم بين وزارة المياه والبنك الدولي بخصوص خطة تقر “خريطة طريق الاستدامة المالية” لقطاع المياه، وسط تلميحات لإمكانية احتواء ونص هذه الخطة على بيانات تعديل أو رفع أسعار المياه في العامين الحالي والمقبل.

وفي الوقت ذاته، أشار التقرير الصادر نهاية العام الماضي عن مجموعة البنك الدولي بعنوان “المناخ والتنمية الخاص بالأردن”، لـ”إعداد خريطة طريق الاستدامة المالية لقطاع المياه عبر عملية استشارية من الحكومة الأردنية، تحدد مجموعة من السياسات والتدابير الاستثمارية التي تسهم بغلق العجز التشغيلي للقطاع بحلول العام 2029، ويقلل من تراكم الديون”.

ولفت التقرير ذاته، الى أنه “من شأن الإجراءات السياسية والاستثمارية، خفض ديون قطاع المياه بمليارات الدينار الأردني بحلول العام 2040”.

وارتباطا مع ما سبق، فإنه برغم أن ملخص الإستراتيجية الوطنية للمياه للأعوام 2023 – 2040، شمل واحدا من 4 محاور، وصولا للأمن المائي، وهو تحقيق الاستدامة المالية لعمليات قطاع المياه، لكنه لم ينص صراحة على توجه إجراء تعديل أو رفع لأسعار المياه، في وقت أشار فيه الى مضيه نحو “زيادة الإيرادات بما يكفي لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة، مع ضمان حماية هياكل التعرفة للعملاء الأشد فقرا”.

ووجهت مختلف المؤشرات والسيناريوهات المتعددة، والتي صدرت مؤخرا عن المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والصادرة عن البنك الدولي، الأنظار مرات عدة لـ”تحديات تواجه التعافي الاقتصادي في الأردن، ومن ضمنها خسائر المياه والكهرباء”.

وكانت “مؤشرات خسائر المياه والكهرباء” التي حذر من تداعياتها ذلك التقرير، الصادر نهاية العام الماضي، جددت قلقا حينها، من قرب احتمالية أن يجري تعديل أو رفع أسعار المياه، بخاصة في ظل ربط بعض المراقبين لهذه القضية، بإصدار فاتورة شهرية للمياه في خطوة تمهد للرفع.

وأرجعت إستراتيجية قطاع المياه الجديدة في محورها حول الاستدامة المالية، مواجهة قطاع المياه الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم التشغيلي والرأس مالي “عجزا ماليا مزمنا”؛ لأسباب لخصتها بـ”كون التعرفة والرسوم الأخرى، لا تكفي لتغطية تكاليف الخدمات المقدمة، بل ونادرا ما تغطي تكلفة التشغيل والصيانة”، مؤكدة ضرورة “تحسين الوضع المالي للقطاع، بهدف تعزيز معايير وجودة الخدمة، والكفاءة والحوكمة الرشيدة لقطاع المياه”.

واعتبر ملخص الإستراتيجية في محوره حول الاستدامة المالية، أن واحدا من العوامل المؤدية لـ”ضعف التداخلات اللازمة والمتعلقة بتطوير وحفظ المياه، وعدم مواكبة استثمار البنية التحتية المادية للاحتياجات الحالية والمستقبلية، ومعاناة إدارة قطاع المياه من هجرة الكفاءات، وتدني الخدمات، وغياب الصيانة المستدامة للأصول، مما يقلل من عمرها التشغيلي، بينما يستمر العجز المالي في النمو”؛ هو “عدم قبول المشتركين دفع مبالغ أعلى مقابل خدمة غير مرضية”.
وأضافت في هذا السياق، أن العوامل المساهمة بالوصول للنتيجة المذكورة بالإضافة للعامل السابق؛ تتمثل بـ”محدودية الموارد المالية، وتدني الإيرادات بمحاصرة قطاع المياه ومرافقه في حلقة مفرغة، تتسم بضعف المصادر المالية، وضيق الإنفاق على الصيانة الأساسية، وضعف جودة الخدمات”.

وفي سياق الاستدامة المالية ذاته، قالت الإستراتيجية إن “المشتركين دفعوا ثلث قيمة كلفة خدمات المياه والصرف الصحي، بدعم حكومي وصل إلى 1.4 دينار لكل م3 مفوتر من مياه الشرب في العام 2021”.

وبينت أن الأهداف والغايات المنهجية لتحسين الوضع المالي لقطاع المياه؛ تتلخص بـ “المساهمة بتحقيق التزامات استرداد تكاليف كل من: سلطة المياه، وشركات المياه التابعة لها، وسلطة وادي الأردن، في أن تصبح مؤسسات قطاع المياه، أقل اعتمادا على التحويلات المالية من وزارة المالية و/ أو المساعدات الخارجية”.

وذلك إلى جانب “حاجة ماسة لمثل هذا الاستقلال المالي الذي سيساعد على تحسين الأنظمة وتشغيلها وصيانتها بشكل مستدام، وبخلاف ذلك، ستتمثل النتيجة في استمرار الحاجة للدعم المالي، بالإضافة لبقاء قطاع المياه أسيرا للعديد من العوامل، كتقلبات أسعار الكهرباء والقيود التي تفرضها دورة الموازنة السنوية للحكومة”، وفق الإستراتيجية”.

وأضافت “يؤدي الاستقلال المالي إلى تقديم خدمة أفضل، تنعكس على تجاوب أفضل من المستخدمين لدفع المستحقات، والاستعداد لإعادة هيكلة الرسوم من صناع القرار، لتتناسب والتكاليف، والاستعداد لتقديم الدعم الإضافي من شركاء التنمية، وبالتالي وقف تدهور الخدمة والدائرة المفرغة، وعكس مسارها، واستبدالها بأخرى صحية”.
وتتلخص تحديات قطاع المياه في إطار ما وصفته الإستراتيجية بـ”العجز المالي المزمن”؛ في معاناته من عجز مالي سنوي يتراوح بين 200 و300 مليون دينار في السنوات الماضية، وتفاقم الدين والدعم المالي الحكومي لأكثر من الضعف، بحيث ارتفع من 1.667 مليون دينار في العام 2015 إلى 3.806 مليون في العام 2021.

وذلك إلى جانب التحدي الكبير لتكلفة الكهرباء على قطاع المياه، بحيث تشكل حوالي نصف تكلفة التشغيل والصيانة لخدمات المياه والصرف الصحي، موضحة بأن متوسط تعرفة المياه والصرف الصحي ارتفع 40 % فقط منذ العام 2010، بينما ارتفعت تعرفة الكهرباء لضخ المياه 150 % حتى العام 2021، وفق الإستراتيجية.

واعتبرت الإستراتيجية، أن محور الاستثمار بتحسين الوضع المالي للقطاع، “لا يقل أهمية عن محور معالجة مصادر المياه، وضمان استدامة التزويد وإدارة الخدمات”، مضيفة أن “قطاع المياه في الأردن يعاني عجزا ماليا مزمنا”.

وعرفت الوصول للاستدامة المالية لـ “المياه”، عبر التوازن بين استرداد كامل للتكاليف واستمرارية الدعم الحكومي في الاستثمارات الأساسية للبنية التحتية وحماية الفقراء.

وقالت، إن الغاية “تساوي الإيرادات مع تكاليف التشغيل والصيانة والتكاليف الرأس مالية، بما فيها تكاليف مشاريع البناء والتشغيل ونقل الملكية لجميع خدمات المياه والصرف الصحي والميزانيات الحكومية الوطنية، من أجل تحقيق مستويات الإنفاق الرأس مالي والدعم القطاعي اللازم للتوسع في تزويد ومعالجة المياه وتطوير شبكاتها”.

وفي تفاصيل التصريحات الرسمية لأمين عام وزارة المياه والري جهاد المحاميد خلال شهر أذار (مارس) الماضي، أشارت الى أن المواطن “يدفع بحدود الـ 87 قرشا” مقابل المتر المكعب الواحد من المياه، لكن “الحكومة يكلفها بحدود 2.40 دينار… هناك دعم كبير جدا من الحكومة لقطاع المياه”.

وأكد في الوقت ذاته، أن تعرفة المياه “لن ترفع هذا العام”، لكن مع الإستراتيجية التي أطلقتها الوزارة الشهر الحالي، “سيكون هناك رفع تدريجي لكن ليس العام الحالي، بل خلال السنوات المقبلة”.

وأظهر البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي 2023، إنجاز تقديم مقترح لتعديل تعرفة المياه، ودراسة ماليـة حول التعديل ضمـن خطة الاستدامة المالية، للنقاش بين الوزراء المعنيين: نائب رئيـس الـوزراء، ووزير المالية، ووزيـر التخطيـط والتعـاون الدولي، وأظهر البرنامج أيضا، أن الحكومة تخطط للموافقة على تعديل التعرفة للمياه في شهر أيلول (سبتمبر) من العام الحالي.

ويتضمن البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي في قطاع المياه 13 أولوية، منها تنفيذ شبكات توزيع مياه وجلب ونقل المياه من مصادرها وإعداد خطة الاستدامة المالية للقطاع وتنفيذ إستراتيجية تقليل الفاقد من المياه بنسبة 2 % سنويا.

ونشر تقريرا موسعا حول التقرير الصادر عن المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصادرة عن البنك الدولي، وأشار حينها لـ”الأسعار المدعومة التي تشجع على الاستهلاك المفرط”، بحسب تعبيره، في وقت طالما ظل فيه قطاع المياه، يتأرجح بين مطالب شعبية ترفض رفع الأسعار، وهو ما أعلنت الحكومة تمسكها به، إلى أن أعلنت خلافه في التصريحات الأخيرة، من جهة، ومتطلبات تفرضها مقتضيات ارتفاع كلف الصيانة والتشغيل لكل منظومة المياه، والتي لم تعد كلفة المياه المدعومة حكوميا قادرة على الإيفاء بها، من جهة ثانية.

وأشار خبراء في قطاع المياه سابقا الى أن صندوق النقد الدولي دائما ما يتحدث عن ميزانية متكافئة، تتعلق بما يدفع، والذي يعد قطاع المياه جزءا كبيرا منه.

أما تقرير البنك الدولي المتعلق بالمناخ والتنمية في الأردن، والصادر نهاية العام الماضي، فشدد على حاجة الأردن، في ظل مضيها بمشاريع تزويد المياه، لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن كفاءة استخدام المياه، لا سيما وأن أكثر من 50 % من المياه المزودة تعاني التسرب أو الخسائر التجارية.

وهو ما يدعو لضرورة استقرار الاستدامة المالية للقطاع، والذي اعتبره التقرير تحديا، مشيرا إلى أن تحقيق استرداد التكلفة، هدف مهم له، ويتطلب مجموعة واسعة من إجراءات التحكم لتحقيق ذلك، لافتا لإعداد خريطة طريق الاستدامة المالية له عبر استشارات من الحكومة الأردنية، تحدد فيها مجموعة من السياسات والتدابير الاستثمارية.

وتوقع التقرير أن ينتهي عبر خريطة “الاستدامة المالية”، العجز التشغيلي للقطاع بحلول العام 2029، ويقلل من تراكم الديون، مبينا أن برنامج الاستقرار المالي يشمل الخفض المنهجي للفاقد المائي من 53 % إلى 25 % بحلول العام 2040، وإدخال تحسينات الكفاءة، وتحويل أحمال الطاقة، مبينا أن من شأن الإجراءات السياسية والاستثمارية خفض ديون القطاع بمليارات الدنانير بحلول العام 2040.

اترك رد