قمة جدة، ميزان العرب وساحة لحل المعضلات
من سوء حظ العالم العربي أنه يمتد على هذه البقعة الطويلة 13 مليوناً و487 ألفاً و814 كم مربع، ويطل على البحار والمحيطات، وعلى معظم صحاري العالم، يقع في قلب العالم جغرافياً، وكذلك في قلب مشكلات العالم، هذا الموقع الممتد من الخليج إلى المحيط حافل بالتعقيد والحساسيات السياسية والأمنية، وهو محط الأنظار العالمية لما له من أهمية جيوسياسية عالية المستوى.
لذلك فإن أكبر الأزمات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية تتمحور حول هذه البقعة، بدءاً، من القضية الفلسطينية في أوساط القرن الماضي، إلى الأزمات الحالية التي تعصف بالمنطقة، وبالتالي لم ينقطع العالم العربي عن حركة الأزمات الدولية منذ أواسط القرن الماضي.
مع ذلك، طالما اعتاد العالم العربي على عمود الخيمة القادر على مساندة الجميع في كل الظروف، والعمل على لم الشمل الذي طالما يتعرض لرياح عاتية، لذلك يمكن القول إنه من حسن حظ العرب أن هذه القمة التاريخية تنعقد في جدة بالمملكة العربية السعودية التي كانت على مدار عقد ونيف ركيزة أساسية لدول المنطقة، إذ وقفت إلى جانب كل الدول العربية التي مرت بأزمات، وما زالت تقف بكل إصرار إلى جانب الدول المأزومة من أجل حماية الأمن العربي من تصدعات قد تذهب به إلى مكان بعيد.
لا يخفى على أحد الظروف التي يمر بها العالم العربي من القضية الفلسطينية التي أصبحت إسرائيل تحاول تصفيتها بكل الطرق، إلى السودان المجروح الذي اشتعلت فيه نار القتال في غفلة عربية، إلى سورية التي ما زالت قيد الأزمة، والقائمة تطول في الجرح العربي العميق، وفي كل مرة تتبدل قائمة الدول المأزومة لكن القائمة في تزايد وليس في نقصان.
اليوم العالم العربي أكثر مكاشفة من قبل، ومن حسن حظه وجود قيادة حكيمة في المملكة العربية السعودية، تعمل بكل جهد على جمع الشتات العربي، وحل هذه الأزمات بأي شكل من الأشكال، ولعل التحركات الدبلوماسية السعودية الأخيرة كشفت أهمية دور المملكة في العالم العربي، وحضور سورية في قمة جدة بعد 12 عاماً من الانقطاع عن الإجماع العربي حدث يستحق التوقف عنده كثيراً، إذ طالما أشغلت الأزمة السورية الأروقة الدولية وبقيت على هذه الحالة عقداً ونيّف إلى أن تقدمت السعودية المشهد في قفزة سياسية حكيمة لإعادة سورية إلى الحضن العربي، الأمر الذي انعكس على الأجواء العربية بشكل إيجابي، بينما تستمر جهودها في المساعي السياسية لتطوي صفحة تلك الأزمة إلى غير رجعة.
سورية التي حيرت الجميع، حول كيفية البدء بحل أزمتها، لكن شجاعة السياسة السعودية وواقعيتها قادت إلى العمل المتقدم وسياسة الفعل لا الانتظار، واليوم نرى تمثيل سورية كاملاً في الجامعة العربية، بينما تحقق السعودية حضوراً على المستوى العالمي في حل الأزمة السودانية، وعلى ما يبدو فإن الحراك السعودي لن يتوقف إلى أن تنتهي حرائق المنطقة والعالم العربي عموماً.
في ظل هذه المعطيات السابقة، تأتي قمة جدة لتكون ميزان العرب وساحة لحل المعضلات، وأيضاً الحديث بلا قيود عن مشكلات العالم العربي والعمل قولاً وفعلاً على إعادة مفهوم التضامن العربي في ظل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وبلا أدنى شك فإن السعودية بما تملكه من سمعة دولية إيجابية قادرة على تجاوز مشكلات العالم العربي ولم الصف في مواجهة هذه التحديات.
استهلكت هذه القمة خمسة أيام من العمل التحضيري، من أجل الخروج بنتائج يمكن تنفيذها على أرض الواقع، وحشدت المملكة كل جهودها من أجل إنجاح القمة، فالمطلوب اليوم أفعال أكثر من الأقوال، وهذا ما تعتمده السياسة السعودية دوماً، وهو تحويل الأقوال إلى أفعال.
إن ملايين الشعوب العربية تتطلع هذه الأيام فعلاً لنتائج قمة جدة الثانية والثلاثين، ذلك أن الكيل طفح في العالم العربي لتزاحم الأزمات وحان الأوان لحل كل هذه المشكلات أو بالحد الأدنى طرح كل شيء على الطاولة.
وكما نجحت المملكة العربية السعودية في جمع دول مجلس التعاون الخليجي في قمة العلا وفتحت صفحة جديدة في العلاقات الخليجية الخليجية، فالمملكة اليوم أيضا قادرة على تسوية المشكلات العربية وتصفير المشكلات الذي بات نهجاً واضحاً للسياسة السعودية الخارجية.
هذه المرة التعويل كبير جداً على قمة جدة، ولأن المملكة العربية السعودية دوما تعمل على حل الأزمات، ثمة من يترقب اليوم في العالم العربي انفراجات وآمالاً جديدة من عروس البحر الأحمر، لمَ لا ما دام جميع العرب يسعون إلى هدف واحد وهو تحصين المنطقة من أية عواصف سياسية وأمنية.