السعودية تمنع دخول الأغنام من الأردن بالرغم من انتهاء الحمى القلاعية

65

يتحرك مربو الثروة الحيوانية اليوم داخل مثلث ضيق، زواياه الثلاث الحادة تضغط عليهم صباح مساء، فهم محكومون بثلاثة متغيرات، تشكل “كماشة” ثلاثية، تطبق أسنانها على رقابهم، فلا هم قادرون على الخروج من المساحة الضيقة المتاحة للحركة، ولا هم قادرون على متابعة المراوحة داخلها،

وتشكل الأسواق التصديرية متنفسا كبيرا أمام مربي الأغنام، لتحقيق هامش ربحي يساعدهم على توفير متطلبات قطعانهم من الأغنام، والسماح لها بالتكاثر والنمو، غير أن إغلاق هذه الأسواق أمام مربي الأغنام، بسبب تفشي الحمى القلاعية خلال الأشهر الماضية، تسبب في فوات منافع كان يمكن أن تعينهم على مواجهة آثار الوباء.

صحيح أن وزارة الزراعة أعلنت منتصف هذا الشهر أن المملكة العربية السعودية رفعت الحظر المفروض منذ بداية العام الحالي على استيراد الأغنام من الأردن، وقالت في بيان إن رفع الحظر يأتي بعد إعلان المنظمة العالمية للصحة الحيوانية قبل ستين يوما بالإعلان على موقعها عن انتهاء حالة الحمى القلاعية، وأن الوزارة أطلعت السلطات السعودية على انتهاء الحمى القلاعية، إلا أن المزارعين تفاجأوا أن السعودية ما تزال تمنع دخول الأغنام من الأردن.

الأمر الذي دفعهم لتنفيذ اعتصام قبل أيام أمام وزارة الزراعة، ومطالبة الوزارة بالبحث عن أسواق بديلة. وتساءل مربو الثروة الحيوانية خلال الاعتصام: هل قدرنا أن نبقى أسرى لغياب التنسيق مع الدول التي تستورد الأغنام من الأردن، وعجز الوزارة عن توفير أسواق بديلة؟.

يشار إلى أن الأردن صدر العام الماضي، وفق بيان صحفي صادر عن وزارة الزراعة في شهر كانون الثاني الماضي، “يناير”570 ألف رأس من الأغنام، بزيادة ملحوظة عن العام الذي سبقه، إذ بلغت صادرات الأردن من الأغنام عام 2021 بحدود 430 ألف رأس.

تتمثل زاوية المثلث الثانية في الخسائر الكبيرة التي تكبدها قطاع مربي الثروة الحيوانية جراء تفشي وباء الحمى القلاعية، ويقول مزارعون إن المرض ليس قدرا لا راد له. صحيح أن الحيوان يمرض ويشفى أو يموت كما الإنسان، إلا أنه يمكن الوقاية من الأوبئة التي تصيب الحيوانات بالتحصين، كما هو حال الأوبئة التي تصيب الإنسان.

ويتساءلون: ماذا لو أن الإنسان أهمل ولم يتلق المطاعيم المختلفة ضد الأمراض المعدية، فإن عدد الوفيات ستتضاعف إلى أن يكتسب الناس، كل الناس، مناعة طبيعية، غير أن الثمن المدفوع سيكون عظيما.

المقاربة السابقة تنسحب على عالم الحيوان، بخاصة في الشأن المتعلق بوباء الحمى القلاعية الذي تفشى في الأشهر الماضية، فمن حيث المبدأ، كما أكد مزارعون غير مرة، كان بالإمكان تفادي وقوع الضرر وتفشي المرض، لو أن وزارة الزراعة تصرفت ووفرت المطاعيم قبل تفشي المرض.

لا يوجد أرقام مؤكدة منشورة عن حجم الأضرار التي أصابت قطاع الثروة الحيوانية جراء تفشي الحمى القلاعية، لكن الأرقام بالتأكيد بالملايين. فقطاع مربي الأبقار تكبد، وفق رئيس “جمعية ائتلاف مربي الأبقار” ليث الحاج في تصريح صحفي سابق، بحدود 25 مليون دينار، وهذا مبلغ كبير، وتصبح الصورة أكثر وضوحا عند إضافة خسائر حيازات الأغنام.

تعويضات المزارعين عن وباء الحمى القلاعية المعطلة حتى اللحظة، تمثل زاوية المثلث الثالثة، صحيح أن الحكومة كانت قد اتخذت قرارا بتعويض مربي الأبقار بمبلغ مليون دينار، وعلى الرغم من أن اللجنة الفنية التي شكلتها وزارة الزراعة قدرت الخسائر بأكثر من خمسة ملايين دينار.

وعلى الرغم من أن المزارعين، أصحاب الشأن، يقدرونها بخمسة وعشرين مليون دينار، إلا أن مربي الأبقار لم “يطولوا عنب الشام ولا بلح اليمن”. والمبررات التي تسوقها الحكومة، ببساطة، لم تقنع المزارعين.
تحدثت وزارة الزراعة في البداية عن أن قانون صندوق إدارة المخاطر الزراعية لا يشمل الثروة الحيوانية، وبعد أن حاجج مربو الثروة الحيوانية، وتناولت الصحافة نص القانون، الذي يؤكد أن الثروة الحيوانية مشمولة في قانون المخاطر الزراعية، تبين أن وزارة الزراعة لم تصدر التعليمات الخاصة بصندوق المخاطر الزراعية.

مربو الثروة الحيوانية في وضع، أقل ما يمكن أن يوصف، بأنه صعب، مع أن بعض المزارعين يقولون إنه كارثي، وتلكؤ الحكومة في حسم موضوع تعويضات المتضررين من الحمى القلاعية، أمر يرفضه المزارعون.

وتوقف صادرات الأغنام من الأردن، أمر جلل يحتاج تدخلًا سريعا من الحكومة، وقيمة خسائر مربي الثروة الحيوانية يفوق المبالغ التي تستطيع الحكومة توفيرها لتعويضهم عما أصابهم من خسائر من جائحة الحمى القلاعية، ما يستدعي من الحكومة “الخروج من الصندوق” واجتراح حلول خلاقة غير تقليدية، تعفي الحكومة من الحرج حينما لا تكون قادرة على التعويض، وتمنح المزارعين “حيوات” إضافية لتمكينهم من الاستمرار في الحياة. وقد يكون من المفيد في هذه المرحلة تشكيل لجنة مشتركة من مربي الثروة الحيوانية والحكومة لبحث الخيارات كافة، بعيدا عن التشنجات والمواقف المسبقة.

اترك رد