السابع من شباط: يوم الألم الأردني.. محمد داودية

155

محمد داودية

اليوم، السابع من شباط، ذكرى رحيل الحسين، هل هو يوم الفجيعة الوطنية الكبرى؟ ام هو يوم الألم الأردني؟؟
كنت في المملكة المغربية عندما وقعت الكارثة. كان نشيجي يصل الى عنان السماء. كنت انوح واجوح وانتحب بكل جوارحي مساء ذلك اليوم المشؤوم. وخشية ان يرتعب اطفالي حملت نفسي الى سفارتي وأغلقت بابها عليّ واخذت حريتي وغرقت في الحزن والظلمة.

أبلغني معالي الصديق سي عبدالحق المريني رئيس التشريفات الملكية المغربية ان صاحب السمو الملكي الأمير محمد ولي العهد سيترأس الوفد المغربي نيابة عن صاحب الجلالة الملك الحسن لتقديم العزاء الى جلالة الملك عبدالله.

وما هي الا دقائق حتى اتصل بي سمو الأمير محمد ولي العهد معزيا. شكرته وقلت له: انا من يعزّيك يا سيدي ولي العهد. فالفقيد الغالي هو عمك الذي تحبه ويحبك. وأرجو ان أتمكن من تعزية صاحب الجلالة الوالد بإبن عمه.

قال لي الملك الحسن الثاني عندما أتيح لي أن اعزيه: كنت أدعو للحسين الغالي على قلبي، بالشفاء في كل صلواتي. وقد أوعزت الى سفارتي في اميركا ان ترسل كل يوم، الورود واطباق الحلوى المغربية التي يحبها الملك، الى جناحه في مستشفى مايو كلينك.

اتصلت مع تشريفاتنا الملكية وابلغتهم بتفاصيل الوفد المغربي. وارسلت الى وزارة خارجيتنا مستأذنا القدوم الى عمان، لحضور مواراة الثرى، من اواريه اليوم في قلبي ووجداني.

ولما قلت لرئيس التشريفات الملكية المغربية ان يمكنني من السفر الى عمان على متن طائرة سمو ولي العهد، قال لي انه سيبحث هذه الامكانية. ثم ابلغني بعد ساعة، ان لي مكانا على الطائرة الملكية.
وحصل ما حمدت الله على حصوله. اتخذت الخارجية الأردنية اكثر القرارات حكمة: السفراء الاردنيون يبقون في سفاراتهم وفي مقارهم. صحاني القرار ومكنني من اتخاذ الترتيبات اللائقة واستقبال المعزين الذي امّوا السفارة الأردنية في السويسي بكثافة خففت علي كثيرا.

زار بيت العزاء وفود من كل أنحاء وطبقات وأحزاب ومنظمات وهيئات الشعب المغربي. وكان على رأس المعزين وأولهم دولة رئيس الوزراء المغربي السي عبد الرحمن اليوسفي.

للملك الحسين مكانة سامية لدى ملوك المغرب العلويين ولدى أبناء الشعب المغربي كافة. فطائرة الملك الحسين كانت اول طائرة تحط في الرباط للتهنئة بنجاة الملك الحسن وفشل محاولة اغتياله في انقلاب الصخيرات الشهير الذي دبّره الجنرال اوفقير وقاده الجنرالان امحمد اعبابو ومحمد المدبوح يوم 10 تموز سنة 1971.

عندما حطت طائرة الحسين في مطار سلا بالرباط لم يكن الانقلاب قد انتهى كليا، وكانت فلول الانقلابيين ما تزال تحتجز المطرب عبدالحليم حافظ في الإذاعة وتحاول ارغامه على قراءة «بيان الانقلاب الأول» وكانوا ايضا في عدة مراكز حساسة في الرباط.

ومكانة الملك الحسين السامية في المغرب مستمدة أيضا من النسب الهاشمي الشريف الذي يتصل بملوك المغرب. فالهاشميون والعلويون أبناء عمومة تفرعوا من جذر قرشي عريق شريف واحد.

وقد سمعت بنفسي ملكنا الغالي عبدالله وملك المغرب محمد السادس يتبادلان الحديث دون تكليف ويخاطبان بعضهما البعض بالاسم الأول. وكنت انذاك في بعثة الشرف بمعية صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد رئيس بعثة الشرف المرافقة للملك محمد السادس عندما زار الأردن في ايار 2002 وانا سفير في المغرب.

عندما قرر الملك الحسين في أيار 1998 تعييني سفيرا، قال لمن كانوا معه وهم الامير زيد بن شاكر ومعالي صلاح أبو زيد المستشار السياسي للملك وسميح باشا البطيخي مدير المخابرات العامة: «محمد نشمي ورجل طيب خدمنا بامانة وإخلاص لازم نرد له الجميل».

تغلغل الملك الحسين في أعماق أعماق أبناء الامة. ففي منتجع مولاي يعقوب بفاس، في اقاصي الأرض، قال لي مواطن مغربي عرف من سائقي احمد الحرشي انني سفير الأردن، يرحم الله الحسين، نحن نحبه والله.

وفي زيارتي الى بلدية الخليل وانا وزير للشباب عام 1996 قالت لي سيدة خليلية انيقة من شباك سيارتها وانا على باب البلدية برفقة الشيخ مصطفى النتشة رئيس البلدية: سلملي على الملك حسين. ما النا غيره !.

لو ان كل من أنصفه الملك الحسين ورعاه، كتب عنه سطرا لإمتلات الصحف بحبر الوفاء. ولو تصدق كل من وفّر له الحسين، جامعة ومدرسة ومستشفى وطريقا وميناء بدينار واحد عن روحه، او قرأ عليها الفاتحة مرة واحدة، لكان ذلك اقل الوفاء.

اترك رد