الاردن اليوم – شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الخميس، في مؤتمر التراث الإسلامي: تعزيز الوئام والعيش المشترك، الذي عقد في العاصمة الهندية نيودلهي بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وعدد كبير من علماء الدين الإسلامي والقيادات الفكرية والسياسية والدينية والإعلامية والطلابية.
وألقى جلالة الملك كلمة في المؤتمر، الذي نظمه المركز الإسلامي في الهند، وتاليا نصها:
“بسم الله الرحمن الرحيم،
صديقي العزيز رئيس الوزراء مودي،
أصحاب المعالي والسعادة،
بروفسور وايزي،
الضيوف الكرام،
السيدات والسادة،
أصدقائي الأعزاء،
شكراً جزيلاً لكم على هذه الفرصة للتواصل معكم، ويسعدني جداً أن أكون معكم جميعاً في هذا اليوم للحديث عن أمر بالغ الأهمية بالنسبة لي، وهو دور الدين والإيمان في مستقبل عالمنا.
إن جزءا كبيرا مما نتابعه في الأخبار أو على شبكة الإنترنت فيما يخص الدين هذه الأيام يركز على ما يفرق الناس. وحول العالم، تزداد الريبة والشكوك المتبادلة بسبب عدم معرفة الآخر. إذ تحرّف الأفكار المبنية على الكراهية ما أنزله الله لافتعال الصراعات ولتبرير الجرائم والإرهاب.
وعلينا أن نتعامل مع هذه المخاطر بمنتهى الجدية. ولكن، دون أن ندعها تشغلنا عن حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن الأديان تسعى لتقريب المجتمع الإنساني من بعضه البعض.
فالأديان تحث على وصايا جوهرية ومشتركة بين العديد من المجتمعات في العالم، وتدعو إلى حب الله، وحب الخير، وحب الجار.
إن الدين والإيمان هو ما يلهم الناس لعمل الخير في حياتهم اليومية في دول مثل الهند والأردن، حيث عمل وعاش أتباع الأديان والأعراق المختلفة في وئام على مدى التاريخ.
إن الدين والإيمان يقوداننا نحو الازدهار والنماء، عن طريق جمع الحضارات والثقافات المختلفة حول المبادئ المشتركة للإنسانية.
أصدقائي،
دعونا نتمعن في بدء التنوع الإنساني طلباً للعبر، حيث قال الله تعالى في القرآن الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
“يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.” صدق الله العظيم
أن نفهم بعضنا البعض، وأن نعترف بإنسانيتنا المشتركة، وأن نعمل باستقامة مرضاة لله؛ هذه من بين المبادئ الرئيسة لديني الإسلام. إنها المبادئ الدينية التي أعلمها لأبنائي وأغرسها فيهم، وإنها نفس المبادئ التي يؤمن بها 1.8 مليار مسلم في سائر أنحاء العالم، والذين يشكلون ربع الإنسانية. هذا هو الإسلام الحنيف، بمذاهبه المختلفة، القائم على التسامح والتعددية، والذي يدعو إلى حب الله واتباع سنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – والسعي للعيش باستقامة ومعاملة الآخرين بعدالة ورحمة.
أتذكر أنه كان يشدني في صغري عندما أسمع أسماء الله الحسنى “الرحمن والرحيم” تتكرر كل يوم، وكذلك عندما أسمع تحية “السلام عليكم” التي تدعو إلى السلام تتكرر صباح مساء. وكنا نتعلم كل يوم بأن على المسلم أن يدافع عن الضعفاء وأن يساعد المحتاجين. وكنت أتعلم كل يوم أيضاً عن إرث أسرتي، والذي يقوي عزيمتي للوفاء بواجبي المقدس تجاه شعبي وبلدي، وتجاه الوصاية الهاشمية، التي أفخر بحملها، على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
وقبل مئة عام، لجأت عائلات مسيحية إلى الوطن العربي حاملة معها القليل من الممتلكات هرباً من الاضطهاد في وطنها، وناشدت جدي الأكبر الشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى، أن يساعدهم. فوجّه الشريف أبناءه – الأمراء لأقطار عربية – ووجهاء عرب آخرين بضرورة “(مساعدتهم) على كل أمورهم (والمحافظة) عليهم كما تحافظون على أنفسكم وأموالكم وأبنائكم”.
لقد ورثتُ التعاليم النبيلة، التي جسدتها رسالة الشريف الحسين من تعاطف ورحمة واحترام للآخرين، عن والدي جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، والذي كان يؤمن أن القيادة في كل مستوى وفي كل مكان، في المدرسة والمجتمع وفي الجيش وفي العمل العام، وفي أي دور كان، تعني أن يخدم الشخص من أجل تحقيق آمال الآخرين ولما فيه خير لهم.
وهذا هو واجبي أيضاً، وهو مسؤولية يأمر بها ديننا الإسلام الحنيف. وهو ما جعل أولى أولوياتي خدمة الشعب الأردني بدعم مواهبهم، والتخفيف من حدة مصاعبهم، وتأمين مستقبل أفضل لهم جميعاً. ولست وحيداً في هذا المسعى، فلطالما عمل إخواني وأخواتي الأردنيون، المسلمون والمسيحيون، معاً لبناء المستقبل، ليس لبلدنا فقط بل لجيراننا، قريبهم وبعيدهم، وهذا هو السبب الذي دفعنا لاستضافة الملايين من اللاجئين بسبب الاضطرابات الإقليمية.
وبالفعل، فإن الأردنيين يعملون من أجل الحوار والسلام العالميين. ومن بين عدة مبادرات تشرف الأردن بإطلاق أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وهو حدث سنوي تبنته الأمم المتحدة يدعو إلى التعاطف والتسامح. وقد تمت صياغة نص القرار الأممي بشكل يحرص على أن يشمل جميع من ينشدون الخير بما فيهم المسلمون والهندوس.
أصدقائي،
هناك حكمة تقول بأن العالم أسرة واحدة. فمهما اختلفت دولنا وشعوبنا، توحدنا مسؤولية مشتركة تجاه بعضنا البعض وتجاه المستقبل.
فقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.”
إن التعاطف والرحمة والتسامح هي القيم التي يؤمن بها المليارات من المسلمين وغير المسلمين في سائر أنحاء العالم. وتتطلب هذه القيم منا أن نعمل معاً من أجل مستقبلنا المشترك.
وفي الحقيقة، فإن الحرب التي يخوضها العالم اليوم ضد الإرهاب ليست حرباً بين أديان أو شعوب مختلفة. إنما هي بين المعتدلين من جميع الأديان والمجتمعات ضد المتطرفين الذين اتخذوا الكراهية والعنف معتقدا لهم.
علينا أن نميز المعلومات المضللة التي تنشرها هذه المجموعات عن الإسلام وعن أي دين آخر، وعلينا أن نرفضها.
وعلينا أن نستعيد الأثير وشبكة الإنترنت من الأصوات التي تدعو إلى الكراهية والتي روَّعت عالمنا بالقنابل والإرهاب، وبالجهل والأكاذيب.
وعلينا أن نحرص على تعليم شبابنا القيم الحقيقية لأدياننا. فلنغرس فيهم احترام حضارتنا المشتركة التي تدعو إلى طلب العلم والنهل من المعرفة العالمية. فالكثير من العلوم القديمة قد تم حفظها بجهود علماء مسلمين في “بيت الحكمة” وغيرها من دور العلم. وهنا في الهند، قبل مئات السنين، ترجم علماء مسلمون كتابات من اللغة السنسكريتية، وجمع أمناء المكتبات الهندوس نصوصا تاريخية لعدة ثقافات ومعتقدات. واليوم، يتبادل العلماء والأكاديميون حول العالم أفكاراً من شأنها أن تأخذنا إلى مستقبل من الازدهار والسلام.
أصدقائي،
يجب أن نحرص، قبل كل شيء، على ألا يُحرم أي إنسان من الأمل بمستقبل واعد. ولا يمكننا أن نترك الشباب بلا أمل، يعانون العزلة، ويصبحون ضحية لوعود الخوارج الكاذبة.
لذا فإن الانفتاح على الجميع وإدماجهم في مجتمعاتهم يحقق الوئام الذي نحتاجه لبناء دول قوية ناجحة. وهو خط الدفاع الأقوى في وجه الفتن والفوضى، وضمانة تعد بمستقبل يملؤه الازدهار والأمن والسلام.
إن هذه المسؤولية، على قدر أهميتها، ليست محصورة بالمؤسسات الرسمية الدولية والوطنية فحسب. إنما هي مسألة تخص في جوهرها كل فرد. إنها ترتبط بحياتنا اليومية، وتعاملنا مع الآخرين، وببناء صداقات قوية.
في هذا اليوم، أناشد الجميع – من المسلمين وغير المسلمين – أن يمدوا يد الصداقة لبعضهم البعض. ففي الصداقة، نجد القوة للوصول إلى مستقبل أفضل لعالمنا أجمع.