فيما مضى كان ثمة تعزير أو (تجريس) ينال السارقين، ويسمهم بعلامة تحيا حتى بعد مماتهم. فمن سطا على حظيرة و(لغف) خروفا كان يُجرّس (تعلق عليه الأجراس الطنانة) ويربط على ظهر حمار بالمقلوب ليجوب دروب القرية منادياً بأنه سارق كذا وكذا، أو كانت تربط بعنقه أحشاء وكرشة ذلك الخروف مطرودا بضحكات وسخرية الناس الذي لا ينسون.
لم يحدث أن أحداً من أؤلئك السارقين تاب عن فعلته بعد التجريس، بل نراه (صلّج وتمسح)، ولم تعد تعنيه الإهانة. ولكن الذي حدث، أنه حتى بعد مضي أكثر من 100 عام على حالات التعزير، أن بعضاً من العائلات ما زالت تحمل وزر ذلك السارق، على شكل لقب لصق بها سيدوم ويدوم.
نحزن على عائلات سرق واحد من أبنائها عود حراث، أو قدوم، أو دجاج من الخم، أو أحشاء خروف في لحظة جوع أو طيش أو (همالة). ولكن اللقب ظل متوارثا يحمله الأباء إلى الأبناء بثقل شديد. وهذا ظلم وخيم.
مع العودة غير المحمودة لعمليات السطو على البنوك، سيكون لزاما أن نتذكر حجم التعزيز والتأييد والتعاطف الذي ناله وكسبه الساطي الأول، عبر مواقع التواصل الإجتماعي. فقد اعتقدت يومها بأنه جاء بفتح جديد، أو حقق بطولة كبرى. للأسف ذلك التعزيز المبطن غير المباشر؛ لربما كان هو الحافز الأكبر أن يُقدم على هذه الفعلة البشعة بعض من الشبان.
ولو كان لنشر صور الساطين وأسماء عائلاتهم من أثر؛ لما رأينا الحادثة تتكرر. أي أن التعزير الرسمي المتمثل بنشر صورهم في الصحافة، والمواقع الإلكترونية لم يكن مجدياً، ولا نافعا.
للاسف نحن نتصرف وكأننا لا نؤمن بـ (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، بل نحمل مسؤولية ما يقدم عليه فرد للعائلة بكاملها، ولمستقبل أبنائها وسمعتهم. ونعم أن (كل شاة معلقة من عرقوبها)، و(ما حدا بعبي حفرة حدا)، وأن البطن بستان، فيه شوك وفيه ورد.
ما زلت أؤمن أن نشر صور الساطين والمجرمين عموما، لا يمت لأخلاقيات الإعلام بشيء، بل هو خطأ جسيم يمثل عملية سطو أخرى على الحياة، لما يترتب عليه من آثار نفسية وإجتماعية، ليس على الفرد الجانح عن جادة الصواب، بل على عائلته وأبنائه وأقاربه.
من جانب اقرب. ماذا حين يتوب هؤلاء ويريدون العودة بعد قضاء العقوبة إلى حضن المجتمع. فهل يستطيعون؟. سيما بعد أن وسمناهم بوسم الإجرام، قاطعين عليهم طريق أية توبة مقبلة. دعونا نتخفف من الأذى.