تطبيق القانون على النواب الجدد
كتب د. ليث كمال نصراوين
توالت الأحداث المحلية خلال الأيام الماضية وتفاوتت بين نجاح للهيئة المستقلة للانتخاب في إدارة الانتخابات النيابية لاختيار أعضاء مجلس النواب التاسع عشر، وحدوث خروقات جسيمة لأحكام القانون شارك فيها عدد من النواب الجدد ومناصريهم. فبعد أن قادت الهيئة المستقلة ملف الانتخابات إلى بر الأمان اقتراعا وفرزا، تسابق النواب الفائزون مع جمهور ناخبيهم على مخالفة أوامر الدفاع من خلال التجمهر غير المشروع، إلى جانب تباهيهم وشعورهم بالفخر بأولئك “الأبطال” الذين أطلقوا العنان لأسلحتهم النارية شيبا وشبابا وأطفالا. فاكتمل المشهد المأساوي بالإصرار على مخالفة مبدأ المشروعية، وتهديد أبسط الحقوق الحريات الدستورية كالحق في الحياة والسلامة البدنية
لقد كان الأردن وعلى الدوام دولة قانونية تفخر بأنها تطبق القانون على كل من الحاكم والمحكوم على قدم المساواة. لذا، فإن نصوص القانون الوطني ستمتد لتشمل أولئك الفائزين في الانتخابات الأخيرة ومؤازريهم من الناخبين دون أي حرج أو مخالفة لأحكام الدستور. فمن فاز في الانتخابات الأخيرة لم يكتسب بعد صفة النائب، بالتالي لا يمكن له الاحتجاج بالحصانة النيابية لغايات منع توقيفه أو إجراءات محاكمته. فالمادة (67/1) من الدستور تنص صراحة على أن تبدأ مدة مجلس النواب من تاريخ نشر نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية
وحتى بعد أن يتم اكتساب صفة العضوية بشكل دستوري بنشر النتائج النهائية في الجريدة الرسمية، سيبقى من الجائز دستوريا الاستمرار في توقيف ومحاكمة النواب المخالفين لأحكام القانون، ذلك على اعتبار أن الحصانة النيابية يقتصر نطاق تطبيقها والتمسك بها في الفترة التي يكون فيها مجلس النواب مجتمعا. فإلى حين أن تصدر الإرادة الملكية السامية بدعوة مجلس النواب الجديد للاجتماع في أولى دوراته البرلمانية، يكون من حق النيابة العامة أن تستمر في محاكمة النواب المخالفين لأوامر الدفاع
وحتى بعد بدء اجتماعات الدورة البرلمانية الأولى للمجلس الجديد، سيبقى الحق قائما للمحاكم الجزائية الوطنية بالإصرار على ملاحقة النواب المتهمين، وذلك من خلال التقدم بطلب خطي وفق الأصول الإجرائية إلى مجلس النواب لرفع الحصانة النيابية عنهم لغايات استكمال إجراءات المحاكمة. فيصدر قرار بهذا الخصوص عن المجلس النيابي وذلك بالأغلبية المطلقة لأعضائه
ويترتب على إدانة أي من النواب المخالفين لأحكام القانون والحكم عليه بالحبس مدة تزيد عن سنة أن تسقط عضويته في مجلس النواب حكما بموجب الدستور. فالمادة (75/1) من الدستور قد حددت الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس النواب، والتي من أهمها أن لا يكون محكوما عليه بالحبس مدة تزيد عن سنة في جريمة غير سياسية. وهذا الشرط لا يثبت فقط لغايات صحة بدء العضوية في المجلس النيابي، بل هو شرط لاستمرارية صحة العضوية. ففي أي وقت يفقد النائب شرط الأهلية الأدبية وحسن السيرة والسلوك من خلال الحكم عليه بقرار قضائي قطعي بالحبس مدة تزيد عن سنة، فإنه يعتبر فاقدا لشرط من شروط العضوية في مجلس النواب، فتسقط عضويته النيابية مباشرة بموجب أحكام الدستور
إن ممثلي الشعب في البرلمان يتعين عليهم أن يكونوا القدوة الصالحة في الالتزام بأحكام القانون. فالمشرع يجب أن يكون الأحرص على الالتزام بما يصدر عنه من قواعد سلوك في المجتمع. إلا أنه يبقى تحت ولاية القانون وستار تطبيقه، بحيث إذا ارتكب أي مخالفة لأحكام القانون الذي أصدره يتعين استبعاده من بيت التشريع والاستبدال به الشخص القادر على احترام القانون. فالمؤسسة التشريعية تُقدم من حيث الأهمية على أعضائها المنتخبين، وتبقى سيادة القانون تعلو على هذه المؤسسة شأنها في ذلك شأن باقي نظيراتها من السلطات والهيئات الحاكمة في الدولة. “فنحن دولة قانون، والقانون يطبق على الجميع ولا استثناء لأحد”