تابع الاردنيون على اختلاف شرائحهم ماراثون المناقشات الساخنة التي تداولها اعضاء مجلس النواب الاردني تحت قبة البرلمان يوم الثلاثاء 17نيسان / أبريل 2018 حول ملف استثمارات الضمان الشائك وكذلك الجدل الذي أثاره قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين والذي منح بموجبه صندوق أموال الضمان استقلالية في اتخاذ القرارات الاستثمارية وهو ما اكد عليه مجلس ادارة الصندق خلال اجتماعة وقبل ساعات من انطلاق مناقشات النواب بأن ” صندوق استثمار أموال الضمان يُدار بشفافية وتحت رقابة على درجة عالية جدا من الدقة والمسؤولية”.
ومهما كانت نتيجة تداولات الذوات النواب بهذا الشأن فإنه وفي رأينا فإن العامل الأساسي في نجاح أي جهاز استثماري هو التزامه بهدف مراجعة الذات كدافع نحو التجديد والتغيير وهو ما يتيح الى تحقيق عوائد ثابتة عبر العديد من دورات نشاط الأسواق سواء من حيث آفاق الاستثمار أو العمل المؤسسي… ويحضرني في هذا المقام اجهزة الاستثمار العملاقة في كل من إمارة ابوظبي ودولة قطر والتي بدات بمبالغ ليست خيالية والان اصبحت عابرة للقارات باستثمار مئات المليارات …
فقد تحول جهاز ابوظبي للاستثمار منذ إنشائه في العام 1976 من صندوق استثمار صغير في مكتب مستأجر من طابق واحد في أبوظبي، إلى لاعب مؤثر ومزدهر في أسواق المال العالمية، حيث كانت بدايته في نوفمبر 2007 على استثمار 7.5 مليار دولار في مجموعة سيتي جروب ، أضخم بنوك الولايات المتحدة الامركية ،وقد نجح في ذلك بفضل التزامه برؤية منهاج عملة مع رغبة دائمة في التزام الحكمة عبر سلوك مساره الراسخ واصبحت لديه اصول في الصين والهند وهونج كونج والولايات المتحدة الامريكية وقد تصدر جهاز أبوظبي للاستثمار المرتبة الثالثة في قائمة أكبر صناديق الثروة السيادية حول العالم، والمرتبة الأولي عربيًا بإجمالي أصول بلغت (828) مليار دولار في ديسمبر 2017، ويسعى الجهاز إلى الاستثمار بقوة في الصين، فيما جاء صندوق التقاعد الحكومي النروجي في المرتبة الأولي عالميًا بأصول (998.9) مليار دولار ، وغير بعيد عن ذلك فقد بدأ جهاز قطر من صندوق استثمار صغير في البداية عند انشائة في العام 2005 ، حيث اصبح لديه ممتلكات كبرى مثل برج شارد وسلسلة متاجر هارودز في بريطانيا وغيرها في الولايات المتحدة الامريكية…
وبمقارنة بسيطة ” نسبية ” فقد بين صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي بأن اجمالي موجودات الصندوق قد ارتفعت إلى 9.2 مليار دينار كما في 2017/12/31 مقارنة مع نهاية العام 2016 حين بلغت 8.3 مليار دينار وبذلك تكون قيمة الارتفاع984.1 مليون دينار مما يظهر بأن عائداته في مجال الاستثمارات متواضعة وذلك عائد باعتقادي الى تركيز الصندوق على الاستثمارات في أدوات السوق النقدي، والسندات، والقروض، والتوزيعات النقدية ولا يركز على الاصول الضخمة ذات العائد العالي وذلك اذا ما قورنت اذا ما قورنت ببيانات معهد صناديق الثروة السيادية “SWFINSTITUTE” حيث اظهر قفزة قياسية في قيمة أصول جهاز قطر للاستثمار الذي يدير استثمارات قطر الخارجية بواقع (7) مليارات دولار حيث ارتفعت أصول الجهاز من مستوى بلغ 342 مليار دولار في أبريل إلى مستوى يبلغ 353 مليار دولار في مايو 2017 أي تحقيق (11)مليار دولار في فترة قصيرة وهي أحدث بيانات متاحة مما يكشف عن استمرار ارتفاع قيمة استثمارات قطر الخارجية ، حيث ان القطريين يستثمرون فقط بـ (7) مليار دولار خارجيا وتحقق لديهم مستويات عالية من العوائد لسبب بسيط هو الخبرة والرؤيا للقائمين على ادارة هذا الجهاز… “ادرك تماما حجم ودائع صندوق قطر السيادي ولكني انظر اليه بالمقياس النسبي “…
وعلى ضوء ما تقدم ولمعرفتنا باليات الاستثمار على المديين القصير والبعيد فإنه يلزم وضع خطة استثمارية قائمة على البحث والتحليل ودراسة السوق المحلي والعالمي وخاصة الدول النشطة اقتصاديا والاستثمار في الاصول التي ليس عليها مخاطر والتركيز على قطاع الطاقة البديلة الاستثماري ، وللعديد من الاسباب اضع امام من يهمه الامر (في الحكومة وادارة الضمان الاجتماعي) رؤيتي للنهوض بهذا الصندوق ووضعة على قدم المنافسة مع الصناديق السيادية للدول من خلال بعض الاجراءات التالية:
١. اعادة الصندوق كذراع استثماري تحت ادارة الضمان من خلال مجلس ادارة الضمان وليس منفصلا كما واقع الحال الان الذي يخضع لضغوط خارجية من هنا وهناك ويدخل في بعض الاستثمارات بسبب الضغوط التي تمارس عليه من الجهات النافذة..
٢. عدم اقحام الصندوق في مشاريع استثمارية عقارية او مشاريع لا زالت تسبح في الهواء وتحديدا انشاء المناطق التنموية التي ادت الى جنون ارتفاع اسعار الاراضي من حولها عند الاحتفال بالاعلان عن هذه المناطق والتجار الان يتحسرون على تجميد رؤوس اموالهم في هذه المشاريع التي كان خلفها النزوات الشخصية والتجارب الفاشلة في الاستثمار الذي اكتوت منه البلاد خلال حقبة العقد الغابر ولم نرى اي انجاز لهذه المناطق …
٣. التركيز على الاستثمارات طويلة الأجل يتيح للصندوق تركيز أصوله ( Assets) في مواقع جغرافية مفضلة وفئات أصول مؤهلة للاستفادة من الواقع الاقتصادي داخليا وخارجيا تؤهله للرهان على اتجاهات النمو في المستقبل.
٤. تنويع فئات الأصول التي يستثمر فيها الصندوق عبر مختلف أقسامه وفي كافة المناطق الجغرافية، وذلك بنشر فرق داخلية متخصصة في البحث عن الفرص ومتابعتها وتقييم بعض الأصول الجذابة في مناطق تحقق عوائد أعلى على المخاطر على المدى الطويل.
٥. الجرأة في اتخاذ القرار بزيادة استثمارات الصندوق خارجيا في عمليات الأسهم بالتركيز على أسواق آسيا السريعة النمو خاصة الصين والهند.
٦.استقطاب الكفاءات التخصصية والتي تتميز بالتركيز على الأبحاث والتحليل الاقتصادي، فضلا عن تعيين خبراء آخرين في إطار بناء كوادر التخصصات الأساسية وهذا مما يجعل الصندوق أكثر قوة وتمنحة فرصة لتطوير ممارساته والتأكيد من انه يسير على الطريق الصحيح في مواجهة التحديات وتحديد الفرص المستقبلية.
٧. مساعدة الشركات الوطنية ضمن إستراتيجية جديدة للصندوق بدعمها والاستثمار فيها من خلال تخصيص فريق لهذا العمل وذلك بغرض مساعدة الشركات لتصبح شركات عالمية، حيث أن نجاح الشركات الوطنية يعتمد على تبني أسس سليمة للحوكمة وإستراتيجية مستقبلية واضحة..
٨. يجب ان يتبنى الصندوق القواعد المتعلقة بالصناديق السيادية، ويعمل على تعزيز الشفافية، وضمان أن يكون هناك تعامل أخلاقي رفيع جدا على مستوى الاستثمارات بما يخدم المجتمع الاردني والتنمية ويحافظ على البيئة ودعم الشركات المحلية ونقلها للعالمية كما اسلفنا…
وفي سياق ما تقدم فإن مجلس ادارة الصندوق مطلوب منه ان يعزز جهوده الخاصة بتطوير الإنتاجية وتقليص التعقيدات في مختلف مكوناته مع المتابعة الدقيقة للتقدم الحاصل وقياسه، ووضع الأولويات للمبادرات عبر اعتماد الخطة السنوية لتطوير عمليات الصندوق وامكانية التفكير بالاستثمار خارجيا في الدول الآمنة في اقتصادياتها والذي يرمز إلى استراتيجية استثمار طويلة الأمد والتركيز على الأبحاث والتقارير البحثية في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والطاقة، إضافة إلى تنشيط الشبكات الخارجية والمشاركة في منتديات الحوار العالمية..
ومن خلال متابعاتنا للشأن الاقتصادي العالمي وتحديدا بعد منتصف عام 2017 فإنه يمكن ان نتوصل الى الاستنتاج الأهم وهو حصول تغييرات حتمية وأن العالم يتغير بمعزل عما يمر في منطقتنا من مآسي وحروب، وتاكيدا لما ذهبت اليه في قناعتي فقد شهد الاقتصاد العالمي نقطة تحوّل كبرى في السياسات الاقتصادية من خلال التدخل الجريء للبنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان في تحفيز الاقتصاد، وتعززت تلك الرؤية في النصف الثاني من العام مع التأكيد على ضرورة الاستمرار في دعم البنوك المركزية برامج التيسير الكمي. وقد كانت استجابة الأسواق العالمية سريعة لهذا التحوّل بعد أن هبط العائد على السندات إلى مستويات قياسية وتحوّل إلى النطاق السلبي في أوروبا واليابان خلال النصف الأول قبل أن تنتعش الأسواق في النصف الثاني وتتحسن الثقة التي تأتي معها الاستثمارات ويتحسن النمو.
ومن المتوقع أن تكون السياسات ومحركات الاقتصاد خلال السنوات العشر المقبلة مختلفة جداً عن التجارب التي عشناها في السنوات الماضية. وادرك شخصيا أن التغيير حتمي ويجب النظر إليه من زاوية كونه يحمل فرصاً جديدة للاستثمار على المدى البعيد. وهنا انصح ادارة الصندوق ” اذا كان صوتنا مسموعا لديهم ” بأن تركز على الاستثمارات طويلة الأجل الامر الذي يتيح له تركيز أصوله في مواقع جغرافية مفضلة وفئات أصول مؤهلة ، وبالتالي تقليص أنشطتة في المخاطر الناشئة التي لا تعود بفوائد جيدة.